سألته عن سعر بضاعته، قال : 15 ألفـًا .
لم تعجبني البضاعة، فشكرته وغادرت .
صاح ورائي : تعال خذ الكيلو بعشرة .
لوحت له أن لا أريد .
قال : خذها بخمسة آلآف !
ثم تابع صائحًا ساخراً وقد ابتعدت عنه مسافة : خذها بالمجان !
رجعت، ومن باب الناهي عن المنكر خاطبته في رفق :
ليس من الصحيح أن تنادي ورائي بصوت عال، ثم أليس من حق الزبون أن يسأل عن السعر دون أن يشتري ؟!
قال وقد برز صدره ليظهر عضلاته : اذهب وإلا فرشت بك الأرض !
أخذت بنصيحته وغادرت . لكنه لم يكتف، وصرخ يهددني : قف إن كنت رجلاً !
أدري أنه ليس ملاماً، فقير ينبغي أن يُشفق عليه .
لم يحصل على وظيفة، فالتجأ إلى عربة يتعبه دفعها حتى يصل بها إلى السوق ليبيع عليها بطاطسه؛ ويرى الغرباء يأتون من مدن بعيدة فيتوظفون بالوسائط والمحسوبية .
ليس ملاماً إن ساء خلقه، فإنه يشتري ماء الشرب ونهر كارون جنبه .
إن تمرض طفله لا يجرأ على أن يتجه نحو المستشفى، لأنهم سوف يجردونه تماماً؛ بل وعليه أن يستقرض من جيرانه .
أدري أنه يعاني من سوء خدمات البلدية والشوارع مدمرة، ما في جيبه لا يكفي لدفع فاتورة الكهرباء .
ثم في أي جريدة يقرأ ليتثقف ؟ فهو محروم من الجرائد العربية .
أي برامج تلفزيونية يتفرج ؟ ففي بلدي لا يوجد تلفزيون عربي كي يتأثر من برامجه التثقيفية .
أي فيلم يرى كي يتعلم ؟ وفي أي سينما عربية يُعرض فيلم يتكلم بلغته ويعالج قضاياه الثقافية ؟
فيا بائع البطاطس يا ابن وطني، انفث عن نفسك ما يحزنها ولا تكبت .
صحيح أن الله لا يحب الجهر بالسوء كما قال في كتابه الكريم :
لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ
ولكنه سمح للذين يُظلمون أن يخففوا ما في داخلهم، وإلّا قد تصيبهم نوبة مفاجئة تقضي عليهم .
فقال سبحانه :
لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (النساء 148)
يا بائع البطاطس يا صديقي، اختيارك لي لتصب جام غضبك عليه اختيارٌ خاطئ، رغم هذا سأتحملك وأسامحك، فإنك مسكين ينبغي أن يشفق عليك وإنك لست ملاماً .