مقابل خزان ماء أبي الخصيب المهجور من جهة الشارع العام كانت تقع مقهى (محيبس)، رواد المقهى من الطبقة المثقفة والمتنفذة في القضاء وهي أول مقهى في أبي الخصيب تُدخِل الراديو، فخلال الحرب الكونية الثانية إنقسم رواد المقهى بين مؤيد لدول المحور وآخر مؤيد للحلفاء وكان صوت يونس بحري يلعلع من محطة برلين وبرنامجه (هنا برلين حي العرب) عندها يبتهج مؤيدوا دول المحور ويطلبون من (محيبس) رفع صوت الراديو كرهاً بالحلفاء وتتنكيلاً بمؤيديهم وما أن يرفع الرجل صوت الراديو تحت الضغط والإلحاح حتى يدب التذمر في صفوف مؤيدي الحلفاء فتعلوا أصواتهم فوق صوت الراديو فيحدث بعض الشجار البسيط ينسحب على أثره أحد الفريقين أو يلوذ الجميع بالصمت، ما أجمل تلك الأيام وما أجمل ناسها، لا كواتم ولا عبوات بأنواعها ولا تفخيخ ولا قتل على الهوية.
ـ2 ـ
الزمان: ربيع 1962
المكان: بيت من بيوت جلاب1
وراء هذا الباب قبل أن تتغير، مجموعة من الصبايا والفتيان وعلى بسط من خوص النخل، كنا نجلس الأربعاء مشدودين إلى مشاهد مسرحية لإول محاولة للفتى مصطفى عبد الله2، لا أتذكر إسمها بالضبط (آلام الأيام أو أيام بلا آلام )، تدور المشاهد حول مشاكل الأسرة وقد قام بدور الأب (سعدون عبد الواحد) وبدور الأم ( واثق أحمد)رحمهم الله جميعاً، وكان سعر بطاقة الدخول 10فلوس والبطاقة مختومة بكلمة(جلاب) داخل إطار شبه بيضوي وقد قام الحبيب مصطفى بحفر ممحاة وأظهر حروف الكلمة، تبلل المحاة بالحبر وتختم بها البطاقات ، إستمر العرض آنذاك لثلاثة أيام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ من قرى أبي الخصيب.
2ـ الشاعر مصطفى عبد الله، مواليد 1947، غادرنا إلى المغرب عام 1978، فقدناه في حادثة سير في المغرب عام 1989.
ـ3 ـ
في هذه الأرض التي تنتصب بها هذه المولدة والتي يُنصَح بعدم التقرب لها في الأيام الرطبة أو في موسم سقوط الأمطار.
في هذه الأرض الخالية إلا من الأزبال وعبث الصخول والأطفال، في خوالي الأيام كان بيتاً مشيداً لعائلة معروفة من عوائل(بلد سلطان) ألا وهي عائلة الحاج (عبدالله العيسى).
أماسي الخميس كان يُسمَح لنا بالدخول إلى الدار الواسعة، نحصل على بعض الحلويات من أم البيت الكبيرة (الحاجة أم سالم)، كما كنا نطلق على البيت( بيت الجدة أم سالم)ونجلس أمام التلفاز مستمتعين بمشاهدة أفلام الكارتون[ فيلكس ذا كات] أو مغامرات [قمبر] من محطة عبادان و[عائلة بو جسوم] من محطة تلفزيون الكويت، حيث إنَّ البث التلفزيوني لمحطة تلفزيون بغداد لا يصل البصرة ،وقتها كان التلفاز فقط في محلّين لبيع الأدوات الكهربائية وهما أحمد منصور الصفار وبما إن واجهة المحل من الزجاج فقد وضع الشاشة بإتجاه الشارع فيتجمع المارة للمشاهدة، أما المحل الأخر لبدر الديوان ولكون محله كبير نسبياً فقد وضع التلفاز في الداخل فلا يتجرأ المارة على الدخول إلا ما ندر.