1910 ـ 2013
في العاشرة من عمرها، كانت تصغي لصوت يأخذها بتأوهاته، فكانت تنطلق نحوه عبر زقاق مرصوف بالحجارة ، تختفي عند ركن جدار مرجاني ،خوفاً من واشٍ ينقل خبرها إلى أمها، تطل خلسةً، الزقاق خال، تتسلل مفترشة عتبة دار (ستّي بنت سعدي ـ أول مطربة في زنجبار).
تلك هي (فاطمة بنت بركة) المشهورة بـ( بي كيدودا) ، إنها الأفريقية القديمة والتي إستطاعت أن تتآلف مع تعبيرات الصوت لطبيعة أفريقيا والتي لم تفقد الصلة بالإرث الافريقي الفخم فمن إستهلاليتها للترحيب بالضيوف " على مين الدور" و"جزامني" ثم ذلك الأرث الافربقي المتمثل برقصة "أونياغو" لم تتوان عن الحديث عن البؤس والتسكع ولم تنشغل بهواجس جمع المال بل سارت على خطى (ستّي بنت سعدي) في الحفاظ على هذا الارث وتوصيله ، نادي الطرب والغناء( إخوان الصفا) صاحبها في جولاتها إلى مختلف أنحاء العالم ، قال أحد المعجبين بصوتها : إنها المغنية ذات الشخصية الرائعة والتي تملك صوتاً يمكنه إقتلاع السقف من مكانه "، لم تحظ بإهتمام في بلدها زنجبار سوى في الحانة التي إعتادت أن تتردد عليها فهي تقضي وقتاً ممتعاً تستمتع بالحديث مع مجايلها وبالكأس القوي الذي يعده لها صاحب الحانة ،في باريس وبزيها الأفريقي الراقي وهي تحتضن حقيبتها كانت تحلم أن تعيد إنتاج ملامح إحدى عارضات الأزياء.
لقد إحتملت مآسي الحياة وأختبرت حدودها فانكمشت إلى حدود قريتها بل إلى ركن في منزلها الخاوي لترحل خفيفة وهي تدندن بسواحليتها الجميلة " الثمرة قد أينعت والآن قطافها هيا تقدم".
لقد بنى مجايلها في ضمائرهم هيكلاً لها، وسيظل صوتها مطراً من النجوم فوق رؤوس محبيها.
macklm@hotmail.com
اللوحة للفنان شاكر بدر عطية