دخل علينا وكنت أحلق رأسي بماكنتي الخاصة .
رفع حاجبيه ثم قال معاتبا:
سامحك الله، لديك ماكنة وأنا أذهب بأبنائي السبعة إلى الحلاق !
وكيف آثرتَ بها نفسك دون جيرانك ؟!
وقمقم بضيق :
هل وجدتني جالسا على كنز لأدفع للحلاق أجرة حلاقة سبعة أطفال ؟!
ثم أشاح بوجهه إلى البعيد واستطرد يحدثني :
آه، راحت تلك الأيام التي كنا نشارك جارنا بكل شيء :
بطعامه . . بأثاثه.. بحصانه وحماره، ولست ترى بيننا من يبخل بماعون أو أداة على جيرانه .
وأعاد نظره صوبي وتابع حديثه عن الماضي فقال :
نشاركه بكل شیء إلا ما حرم الله .
وبين ارتباكي وذهولي خاطبني وهو يرفع سبابته بوجهي :
لقد سامحتك، وسأجلب الأطفال لتحلق رءوسهم .
وما إن خرج حتى عاد وأبناؤه السبعة يرافقونه .
التفتَ صوبهم ثم وجه خطابه الآمر نحوي فقال :
كلهم رقم صفر!
ودون أن يلبث ليسمع رأيي أو يهتم به، أجلسهم على الأرض؛ ثم رمقني فأمرني موضحا :
رقم صفر .. حتى لا نعود إليك إلا بعد مدة أدناها شهر.
وأضاف بصوت شبه مرتفع :
ليس من الخُلـُق أن نزعجك كل يوم .
وفي ذلك اليوم الذي أعادني إلى الماضي البعيد، وبينما كنت حائرا أشد الحيرة، حلقت رؤوس أطفال جارنا الجديد .
ابتدأت بابن السنتين ... ثم الثلاث ... ثم الأربع ... حتى وصلت إلى الإبن السابع ذي الثمان سنوات .
بعدها، ألقى الرجل الذي جاء من العصر القديم فطمّ الهوة وعبر إلى عصرنا، ألقى نظرة على رؤوس أطفاله وأومأ إليهم أن يتبعوه؛ فابتعدوا دون أن ينبس ببنت شفة عن الشكر...
وكأنّ سكوته علامة رضا عن حسن أدائي لواجبي.. هذا ما بان على محياه .