في قلعة( ممباسة) وذاكرة هذه المرأة تؤرخ لمائتي عام، فمنذ أن تحركت سفن الغزاة البرتغاليين من ميناء لشبونة وهي على سطح إحداها كانت تحلم بالريف وأمسياته الخيالية الرائعة بين أشجار باسقة تتخللها أشعة القمر الفضي في الليالي الإستوائية الصافية.
لقد رمت بالقبعة والقفاز وإحتفظت بالأناقة والبساطة والنظام ، حققت رغبتها في الحصول على قصر بمواجهة البحر، كانت عاشقة لكل ما في القصر، أشجاره الكثيفة الشاهقة ، مروج حديقته التي طرزتها الورود والأزهار بمختلف الألوان ثم ذلك الخضم الأزرق الهادئ الجميل الذي يفصل زنجبار عن القارة الأفريقية.
كان بيتها يحوي على (منظرة)*، حيث تلتقي بالضيوف والزوار من أهل البلاد والتي حولتها إلى مكان لتعليمهنَّ لغتها الأم وبالمقابل تعلمت منهنَّ لغة البلاد، ولم يخطر ببالها إن رائحة عطر دهن العود التي كانت تتعطر به إحداهن سيكون السبب في زواجها، فبياض بشرتها وزرقة عينيها وشقرة شعرها مقابل وسامة وغنى وملاحة أفريقية لتاجر العطور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ـ يطلق عليها البنجلة مكان يقع أمام البيت قرب شاطئ البحر وهو بناء دائري مفتوح من جميع الاطراف ذات سقف مرتفع ، الأرضية والسقف والدرابزين من الخشب الثمين اللماع.
(المعلوماة مستقاة من كتاب أميرة عربية، للأميرة سالمة بنت سعيد البوسعيدي سلطان عمان وزنجبار)
إستراحة الصيادين
وعلى إمتداد البصر تجد صفاً طويلاً من القوارب المسحوبة إلى اليابسة والمغطاة بالقماش السميك (الجتري) والمُجبرة على الإستراحة حالها حال الصياديين.
وبما أن قصور أشراف وتجار البلاد متاخمة للساحل حيث زوارق الصيادين، فإن شرفات القصور لا تخلو من عيون بصاصة ـ في غفلة من عيون الرقيب ـ ترسل إشارة إلى صيادٍ مستريح قرب زورقه بكل كسلٍ وإسترخاء يثيرها منه عضل مفتول ونظرة هائمة قد يؤدي ذلك إلى لقاءٍ تحت جنح الظلام في زاوية من حديقة قصر والدها فيستلم الهدية التي تنتظره خنجر مسموم يمسد أضلاعه تنفيذاً لأوامر سيد القصر، وقد يعاد المشهد أن تخرج هي تحث الخطى فوق رمال البحر، ملتفتة وهي في حالة إضطراب .. تراقبه .. إنه هناك .. لم يتوقع.. لقد تزيت بملابس الصيادين.. صارت قريبة منه ـ بين يديه ، ساعدها على خلع ملابسها فأشتعلت الرغبة فيهما ، قد تستمر اللقاءات بفرح غامر وقد تنتهي بفجيعة مدوية.
محمود بدر عطية
اللوحة للفنان شاكر بدر عطية