الله يرحم ديواناً، كان رجلاً بسيطاًً جدّا.
اشتركنا في تشييع جنازة وركب في سيّارة (نيسان) تحمل بيرق القبيلة، وشائل البيرق رجل قبليّ إلى النّخاع، حيث يعتبر بيرق القبيلة رمزاً مقدّساً، على الجميع أن ينحنوا له إذا ما رفع، فكان يداريه من السّقوط وهو يرفرف يميناً وشمالاً؛ وعند خفقانه كان يجلد وجه ديوان فيتألّم، فقال لشائله : ابعد هذه الخرقة عن وجهي .
فجنّ جنون شائل البيرق وهمّ ليضرب ديواناً لولا الرّجل الشائب الذي أنهى الشرّ بحكمته .
اليوم تذكرته وترحّمت على روحه، وتذكّرت تلك الصّفة (المناسبة) الّتي أطلقها على ذلك البيرق البالي .
وخطر على بالي شتات الحكومات العربيّة وكثرة أعلامها، وأنّ كلّ علم يبعدها عن وحدتها قرنا من الزّمان، كما أن وجود البيارق في قبائلنا يبعدنا قرونا من الحضارة والمجد الّذي تسعى جميع الشّعوب أن تدركه .
فما ارتفع بيرق في قبيلة إلّا ونزلنا درجا من سلّم الوئام و الإخاء .
فكيف نحرّر تلك الشّلة من أبناء شعبنا من قيد البيارق وقيد زعماء القبائل الّذين ما فتئوا يتحكّمون في بعض قضايانا الاجتماعية، وكنت أظنّ أن لا سبيل لهم في التحكّم فيها وقد انكسرت شوكتهم بعد الثّورة الإيرانيّة عام 1979 .
فمَن مِن هؤلاء الزّعماء بدل أن يتفاخر ببيرق قبيلته وكثرة رجاله وكرمه (الّذي هو أساسا كرم رجاله إليه) بنا مكتبة عامّة لأبناء الحيّ الّذي يسكنه ؟
من من هؤلاء اقترح على أبناء قبيلته أن يتبرّع كلّ واحد منهم بمليون ريال لشراء كتب عربيّة والّتي نفتقر إليها فقراً مدقّعاً ؟
من منكم أيّها الزّعماء تفقد تلاميذ قريته وعندما عرف أنّهم لا يستوعبون الدّروس جيداً أقام لهم صفوفا إضافيّة ؟
من منكم نهى عن خرافة، اعتقاديّة كانت أو اجتماعيّة ؟
وأنتم تعرفون أكثر منّي الطرق الّتي تؤدّي إلى الخير والصّلاح .
بهذه السّبل أيّها الزّعماء (الّذين يأتمر البعض لما تأمرون)، بهذه السّبل فحسب، تستطيعون أن تسيروا برجال قبيلتكم نحو التحرّر والإنفتاح، وبركبنا نحو العلا و المجد، وبأهوازنا نحو الترقّي والتقدّم .
هذا إذا لم تكن ثمّة نيّة أخرى مبيّتة لتجريدنا من هويّتنا العربيّة أنتم عازمون على تنفيذها، أم تلعبون فيها دور الوسيط دون أن تعلموا .