غرفة الإستقبال العتيدة والتي نحن بصددها دخلتها مرتين، في المرة الأولى طفلاُ لم يتجاوز عمري الثامنة، بعد أن نجّد الخياط الباكستاني مقاعدها وأضفى اللمسات الأخيرة على محتوياتها، والمرة الثانية يافعاً لم أتجاوز الخامسة عشر من عمري حين خرج صاحب الدار من المستشفى معافى.
الغرفة بسقفها العالي وهو عبارة عن سقفين، السقف الأصلي وتحته السقف الثانوي والذي يفصل بينهما فراغ يسمح لإيقاعات لونية بفعل الضوء المندلع من الفتحات العليا في الجدار( البادكير) والألوان التي تشكّل أرضية السقف الثانوي.
أرضية الغرفة من الكاشي الأبيض والأسود، غُطيت المساحة الوسطية منها بسجادة (كاشان) 3 في 4 لونها أحمر رماني يتخلله الأصفر الليموني الفاتح، هكذا تحدد ألوانها الخالة (خدوي).
للغرفة بابان، أحدهما يطل على الممر المؤدي إلى الحديقة الكبيرة والتي يفصلها عن النهر حائط عالي تمر من تحته القناة المائية ( أردبة ) التي تغذي البركة وشجرة التوت ( تكي الشام ) الكبيرة، قد نعود يوماً ونتحدث عن تلك الحديقة وبركتها.
أما الباب الآخر والذي يتوسط الجدار الشمالي فيقع على جانبيه شباكان عاليان قاعدتهما السفلى ترتفع بمقدار نصف متر عن أرضية الغرفة، أما العليا فعلى شكل قوس تنتهي عنده رؤوس الإطارات الخشبية المثلثة الحاوية على قطع الزجاج الملون، وعند التحديق ملياً يتهيأ للناظر أشكالاً لطواويس متأهبة للحركة.
الجدار المقابل للباب على جانبيه روشنتان ( خسفة في الحائط ) بعمق لا يزيد على 30سم إحداهما بإطار مزجج عُلِقت بداخلها ثلاثة أنواع من الأسلحة القديمة، أما الأخرى فحوت على ثلاثة رفوف إستقرت في الرف العلوي الكتب المقدسة الثلاثة، أما الأوسط والأسفل فتوزعت عليها مجموعة من التحف الثمينة وبعض الأوسمة والميداليات المختلفة، اما الحائط بين الروشنتين فقد عُلِق عليه ( برواز) إطار ضمَّ تخطيطاً مكبرأ لشخصية الأمام علي (ع) منقولاً عن (جبران خليل جبران) مع عبارة (الخط الجميل يزيد الحق وضوحاً ) للإمام بخط الثلث الجميل .
على الضلع القبلي من الجدار إستقرت صورة كبيرة للأب بزيه العسكري، يمسك بيده اليمنى عصى إستقر رأسها الفضي براحة يده اليسرى، نفس العصى مستقرة في الرف العلوي من الفترينة ذات الرفوف الثلاثة المبطنة بالقديفة ( المخمل ) الخضراء، وضِعَت العصى أمام تحفتين ثمينتين، الأولى إناء من الخزف الصيني قطره لا يزيد على 25سم طُليت حافته بالذهب الخالص بثلاثة خطوط متدرجة السُمك..تكررت لفظة ( الحمدلله ) بالطغراء ونُقشت بالمينا الزرقاء، وسط الإناء شجرة العائلة على ظهر الإناء ثمة عبارة تعريف بالمعمل ومناسبة الإهداء.
التحفة الثانية فقد جاءت من أحد مهراجات الهند وهي عبارة عن طاسة من الفضة الخالصة مزدانة بزخارف دقيقة بعضها بارز( تستخدمها لطوفة في توزيع الخلطة العجيبة من الموالح والمكسرات والحلويات ليلة الخامس عشر من شهر رمضان من كل عام ) .
أما في الزاوية اليسرى للضلع القبلي فإستقرت منضدة من الأبنوس اللامع جوانب سطحها على هيئة ثلاث خطوط من الأغصان والأوراق والزهور المحفورة بدقة متناهية، أما الشرشف الناصع البياض والذي يغطي وسط السطح، فمشغول بثقوب وفتحات مختارة شكّلتها يد فنانة محترفة تحاكي الأغصان والأوراق والزهورعلى حزام سطح المنضدة.
أرجل المنضدة على شكل وجوه بارزة لأسد يافع تنتهي بأقدامه الثابتة على أرضية الغرفة بقوة، إعتلى المنضدة شمعدان على هيئة مجموعة من الحيوانات المتقابلة وسلاسل متشابكة تستقر على قاعدة من المعدن اللاصف ( البرنج ) بثلاثة أرجل ثلاثية الأصابع، تخرج من القاعدة ثلاث قطع من العاج، تتحرك عكس حركة الإناء الإسطواني الحاوي على ثلاثة أنابيب تقطّر زيتاً ملوناً، ومن خلال الحركة المستمرة لقطع العاج تحجب الضوء تارة وتحرره تارة أخرى بمقدار بُعد وقرب قطع العاج من زجاجة الضوء، وقتها كنا مبكرين على السؤال عن كيفية حركة الشمعدان .
وتتويجاً لما ذهبت اليه وأنا أُقلب صفحات الذاكرة فالحسرة تجتاحني، إنّ الروعة والجلوس على المقاعد الوثيرة بردائاتها الأنيقة حيث الهدوء الذي شهدَه الأسلاف الكبار وبالرغم ما قيل عنهم فقد كانوا كباراً، قلوبهم حقيقية، لم يخطأوا فيدفع الناس ثمن أخطاءهم، كما فعل القائد المؤمن، ولم يضحكواعلى الناس كما يفعل ساسة اليوم.