جزيرة صلبوخ هي جزيرة أهوازيّة تقع على شطّ العرب بين المحمّرة وعبّادان .
يقول زميلي عبدالباري :
كان لدى أبي تسعة آلاف نخلة في جزيرة صلبوخ، نخيل متنوّعة بثمرها مختلفة بطولها وسعفها، بقنوانها الدّانية والقاصية .
وكانت النّخيل تعني لنا الكثير، كانت المأوى والطّمأنينة، كانت الإقتصاد والحياة، بل كانت دواءنا والهواء الّذي نستنشقه .
ذات مرّة جرحت يدي، وبدأ الدّم ينزف منها بشدّة؛ فأحضر أبي قبضة من الّليف وفركه على الجّرح، فانقطع النّزيف وبرئ الجّرح بعد فترة وجيزة .
ويضيف صديقي قائلاً :
كان أبي يوصي الخيّاط الّذي يفصّل سترته بأن يحشوها ليفا، لتغدو دافئة .
ويتنهد زميلي ثمّ يتابع بحسرة :
كان لدى جارنا الحاج عزيز البجّاري عشرة آلاف نخلة .
وكلّ هذه النّخيل تُسقى بجداول تفيض عندما ينبسط الماء وقت المدّ من شطّ العرب .
كنّا نعرف نخيلنا وأراضينا من جدول إلى جدول، ولا غرابة أن ترى الفلّاح يعرف نخيله نخلة نخلة كما يعرف أبناءه، ذلك لأنّه يصبّحها كلّ صباح ويمسّيها كلّ مساء .
والفلّاحون يزرعون في ظلال نخيلهم الفاكهة، منها الموز والرّمان والبرتقال والكبّاد والعنب، والخضروات بشتّى أنواعها .
وما أكثر أشجار السّدر والحنّاء في جزيرة صلبوخ !
تجدها عالية في جميع أراضي الفلّاحين .
وعندما يحين أيلول ويونع التّمر، تأتي الشّركات الخاصّة لتشتريه، ويكسب الفلّاح عندها مالاً وفيراً .
ويتحسّر زميلي ثانية بزفرة حرّى ويتابع قائلا :
النّعمة كانت وفيرة في جزيرتنا ومكتملة .
وبعد مصيبة الحرب، حلّت في ديارنا كارثة أفجع سطوة وأشدّ هولا، حيث سطّحت الحكومة الإيرانيّة الأراضي كلّها وقتلت النّخيل، ثمّ اغتصب الجّيش الأراضي على طول الجزيرة وفي عرض 150 مترا من شطّ العرب .
وقد حاول بعض أهل الجّزيرة أن يغرسوا فسائل النّخيل بعد الكارثة تلك، لكنّ إنشاء شركات قصب السّكر الإستيطانيّة الّتي لوّثت المياه وزادتها ملوحة، ثمّ سرقة مياه كارون ونقلها إلى مدن إيران، حالت بين نموّ النّخيل واستعادة عروبتها .
أبادوا النّخيل ليدمّروا الجّزيرة ومن يقطن فيها،
أبادوا النّخيل ليحلّ الدّمار والبطالة والفقر في المحمّرة؛
وكيف يعيش العرب بعد أن دمّروا مصدر رزقهم وصادروا أراضيهم ؟!
هذه النّخيل الّتي تعدّ شريان الإقتصاد في البلاد العربيّة، كانت المصدر الوحيد بعد الميناء لرزق أهل المحمّرة والفلاحيّة ومعظم مدننا العربيّة .
حتّى يقال إنّ الشّيخ خزعل رحمه الله كان يدور أمور مملكته من تجارة التّمور .
ولمّا جاء هذا السائل المشؤوم الذي يسمّى (النّفط) تدمّرت حكومته !
والآن وبعد عقود من الفقر والضّياع، أمست جزيرة صلبوخ صحراء يهاجر أهلها إلى مدن إيران بحثا عن العمل ورغيف الخبز!
وخطط الإستيلاء على أراضينا ما زالت مستمّرة، وآخرها مشروع (المنطقة الحرّة) الّتي لم يرَ أهل المحمّرة وعبّادان منها خيرا سوى سرقة أراضيهم ومحو هويّتهم وتغيير التّركيبة السّكانيّة عن طريق جلب المستوطنين الأجانب .
وحسبنا الله ...