حضرة يوسف المحترم

2015-02-05
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/f0a42ded-4a4f-4e17-a4cd-2dc6574cce2a.jpeg
 المغرب بلد جميل، وأجمل ما فيه اناسه الطيبون المسالمون.
كان أول لقاء جمعني بيوسف يعود إلى 7 سنوات مضت.
إن نيتي عندما أمشي هي أن أطلق لأفكاري العنان وأنظر بشغف الى الغرائب من حولي، ولعل هذا ما يفسر ولعي بالسياحة منذ نعومة أظافري. 
ومن مصادفات الأقدار أن المقام استقر بي في فرنسا التي جئت إليها سائحا، وعشت بها سنوات وسنوات، قبل أن اقفل راجعا إلى منبت الأحرار ومشرق الأنوار.
في احدى أماسي خريف 2005 كنت اتنزه شارد الفكر في إحدى حدائق نانسي، وحدي، ولم أكن واثقا من أن الفتى الجالس هناك، وحده أيضا، والغارق في مطالعة كتاب مجلد ضخم هو مغربي مثلي...
سحنته وملامح وجهه النحاسي الطويل وسمرته الخفيفة... كل هذه التفاصيل كانت توحي أنه يمكن أن نجد شبيها له في جل دول شمال إفريقيا، أمريكا اللاتينية، أو حتى الهند... 
غير أن حدسي الذي لا يخيب وقوة الجذب التي أومن بها حتى النخاع، انبآني أن هذا الفتى الوحيد ذي القسمات الامازيغية النبيلة، الجالس هناك، بين صفين طويلين من الأشجار المتلاحمة... هذا الفتى هو مغربي الأصل.
 تماما مثلي... 
 بالله عليكم، هل استحضار هذا الفتى وتخصيص سطور وسطور لسرد جزء من سيرته، هل ذلك ترف أدبي أو مضيعة للوقت؟ 
كلا وألف كلا...
 لقد أثار فضولي منذ مدة ليست بالهينة كيفية برمجة الناس للنجاح، وكيف أن ما وصل اليه الكبار من رفاهية، أو قوة أو علم أو مجد شخصي أو سلطة اجتماعية أو سياسية... كل هذا كان حتما نتاجا لتخطيط طويل وعمل دؤوب. 
وكان وما زال يتملكني شعور بالإجلال العميق، وبالاحترام الشديد، لكل إنسان ارى من خلال الحديث معه أنه صاحب مشروع طموح أو حلم كبير أو مجد عظيم يريد أن يصل إليه.    
وبقراءة سير العظماء وسماع قصص النجاح، نستطيع كلنا أن ندرك المعاني الحقيقية للتوقير، والاحترام، والتضامن والتعاطف.
غير أن ما حدث مع يوسف كان خلافا لكل هذا بشكل تام. منذ عرفته وإلى الآن وهو يتدهور ويمضي من سيء الى أسوأ. 
ما السبب؟ بالأحرى جملة العوامل المباشرة التي أدت به إلى الإفلاس المادي والنفسي والفكري؟ كيف استخدم يوسف طاقته المدمرة في الكثير من المواقف ؟ كيف دمر حياته على الرغم من ذكائه وطيبوبة قلبه الشديدة ؟
الحقيقة هي أنني لطالما وددت أن أحادثك بالهاتف لأعرف آخر أخبارك... 
حتى الفيسبوك وتويتر بحثت فيهما عن وجود لك، مرار وتكرارا، ولكن بدون فائدة.
 أيها الغائب في الزمكان، الحاضر دائما وأبدا في القلب، دعني أرسل لك مليون تحية وألف سلام.
 هل أنت بخير ؟
 اشتقت إلى وجودك إلى جانبي رغم كل شيء، فالصداقة أثمن ما في الوجود...
في الماضي عندما كنت في السادسة أو السابعة عشرة، كان بوسعي أن أفكر: ألبومات الصور مهمة لأنها تسمح بتوثيق حلقات و مراحل أساسية من حيوات تتلاقى في مفترق الندية والصحبة الصافية.
في الواقع، لم نؤرخ يا يوسف  لصداقتنا بالكثير من الصور لاني منذ أن كرهت أن أكون حبيسا للكاميرا (على عادة السياح الآسيويين الذين يحملونها معهم في كل مكان) ، أحببت أن استلذ باستحضار أهم محطات الصداقة مغترفا من معين الذاكرة الذي لا ينضب. 
أما اليوم فمع الانفجار الرقمي والمعلوماتي وما يصاحبه من تداول وتقاسم وتنزيل مهول للصور على الحواسيب والشبكات الاجتماعية فاني اخترت أن اختلف وأنفرد ولذا فعندما يقذف بي الحنين بين طيات الماضي، أجدني أتذكر، وأتذكر، وأتذكر...
وآخذ قلما وحزمة أوراق، واكتب...  
 حياؤك الطبيعي يا يوسف  وقامتك النحيلة وملامحك النبيلة وكرمك وتواضعك... صور تعلق بشدة وبخلود في الذاكرة.
 من المستحيل نسيان الاشخاص الطيبين أيها الطيب. 
وليس السفر الذي قمت به من جنوب المغرب الى أقصى شمال فرنسا رغم الفقر وضيق ذات اليد للدراسة أولا والاستقرار ثانيا، ليس رهينا بالمال، ولكن بشجاعتك ورغبتك في بناء مستقبل أفضل. 
ولكن هل كان ذلك ؟ هل تم لك ما أردت ونويت ؟ 
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن... 
"تصور يا جلال أني في فرنسا منذ ثماني سنوات، ولم أستطع إلى حد الآن أن اندمج في هذا المجتمع. أنت مطلع مثلي على اشكالية الحلال والحرام في المأكل والاختلاط. ما يحز في قلبي أني أسكن هنا بعيدا عن المسجد، وهذا يحز في قلبي ويجعلني أؤدي صلواتي في آخر النهار. في المرة الماضية، لم يوقظني المنبه وضاعت مني صلاة الفجر...
"... مزاجي اليوم متعكر، وسامحني لاني انغص عليك بحكاياتي ومشاكلي التي لا تنتهي. هل أنت مستعد لسماعي أكثر؟ طيب... لقد جاوزت الثالثة والثلاثين ولم أتعرف قط في حياتي ولو على فتاة واحدة. أريد أن أتزوج وفي الحال، تعبت، أكاد انفجر. نحن رجال، وأنت سيد العارفين والفاهمين ولا حياء في الدين. اسمع... لقد تخليت عن مشروع اطروحتي في العلوم السياسية، تعلم أني في عامي الثالث ولكن لا يهم. مكتوب... 
"...على فكرة، اليوم تعاركت مع زميلي دانيال في المطعم الذي أعمل به لأنه حدجني بنظرة عنصرية... كنت اتوقع بفراستي أن ذلك سيحصل إذ تجاهلني في العمل طيلة الأسبوع. يقول لي الكثير من أصحابي أني بطيء، ثقيل الحركة وأني سلبي... غير أني لا أعتقد ذلك. متى كان الهدوء والسلام الداخلي والخارجي علامة على السلبية أو الكسل ؟...أكره المطعم والناس...
 أكره نفسي أيضا...
"...منذ 5 سنوات وأنا أعمل في هذا المطعم اللعين دون ترقية، لم يزد راتبي  لو سنتيما واحدا، على عكس كل العاملين، أليس هذا بظلم؟ ما ذنبي أن أكون أجنبيا ؟ إني أمقت العنصرية، وأحلم بالعودة إلى المغرب، ولكن هل أجد عملا؟... 
'...لا أعتقد، البطالة خانقة في بلدنا، واحتقار جيراني لي بالمدينة التي أسكن بها سيكون أمرا مؤكدا. سيقولون : ما الذي حمله على الرجوع إلى البلاد خاوي الوفاض، بدون عمل أو دبلوم، أو سيارة فارهة أو على الأقل زوجة شقراء تنسيك رؤية عيونها الملونة الهم الذي نكابده كل يوم؟ ها ها ها... 
"...الحياة في فرنسا  يا صاحبي مثل الفاكهة المهجنة، براق لونها ولكنها بدون طعم..." 
وعلى ذكر الفاكهة أيها اللعين (وهذه طريقتي الخاصة في مناداتك كل مرة، وهي تنم عن ندية كبيرة وتكسير للحواجز)... اشتقت إلى سلاطة الفواكه التي تبرع في اعدادها والتي لم تنقلها حرفيا من قناة فتافيت، ولكنك طبعت عليها بصمتك الشخصية... 
اشتقت أيضا إلى طبخاتك الرمضانية الفريدة : دجاج مقلى بالليمون والزيتون، طواجين الخضر، السمك المشرمل... حتى المقرونة أيها اللعين فانك تتفنن كل مرة في طهيها، وبطرق مختلفة...
 في الطبخ برهنت عن "تمغربية" لا تضاهى، وعن حساسية عز نظيرها. ا ليس كبار الطباخين العالميين رجالا ؟؟
أعزك واحترمك كما أنت، بحلوك ومرك، دمت بود، وإلى لقاء قريب أيها الحاضر الغائب، إلى لقاء قريب أيها العزيز...
 مهدي عامري
amrimahdi@yahoo.fr

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved