اعتبر أفلاطون الفن الموسيقي أحد المحركات الرئيسية السامية للبشر. وقد خدمت الموسيقى البشرية في تحقيق التوحيد بين أحاسيس الناس في المجتمع الواحد ، وبين المجتمعات المختلفة. وانتبه الإنسان إلى ذلك منذ الحضارات القديمة ، فاستخدم الموسيقى في الطقوس الدينية لتوحيد شعور الناس عند الربط بينهم وبين الآلهة .
كما كان للموسيقى في الحياة دوراً كبيراً في انسجام الأفراد ووحدتهم ، وهو ما نلحظه في حلقات الرقص والغناء الجماعي في الأفراح وعند العمل وأثناء الحروب وما إلى ذلك .
إن انسجام الأفراد الموحد في ظل الموسيقى ، جاء معتمداً على خبرة الأفراد الحياتية وسماعهم للموسيقى بكافة أشكالها طوال سني حياتهم ، فكان تذوقهم لها واستمتاعهم بها عفوياً دون معرفة خصائصها وأشكالها وأساليبها، مما جعل مستوى تذوقهم محدوداً من جانب ، ودون الاستفادة الإيجابية منها من جانب آخر ، إلاّ في التطريب ، أو بمعنى آخر التخدير .أما من يكون على إطلاع ومعرفة بالمكونات الموسيقية ، أي فهم قالب ما يستمع إليه وجنس لحنه ومقامّيته وإيقاعاته وانتقالاته من جنس موسيقي لآخر وبراعة المؤدي ، عازفاً كان أم مغن ٍ . كل ذلك يجعل متعة التذوق الجمالي للموسيقى عند المستمع عالية ، إضافة إلى الإنعكاس الإيجابي على صحة الفرد من خلال تأثير الموسيقى غير المباشر في تنشيط الدورة الدموية وتركيز خلايا الدماغ عند تتبع كل ذلك أثناء الإستماع .
ماهية الموسيقى العربية
إن المتتبع للموسيقى العربية منذ تاريخها القريب ، والمشار إليه في المخطوطات التي سلمت من الإتلاف والسرقة ، وبالتحديد منذ القرن السابع الميلادي ، يجدها غنائية أكثر منها موسيقية بحتة . لذا فهي مرتبطة بالشعر ارتباطاً وثيقاً . رغم أن هذه الحقيقة قد تتغير لو أن لدينا مصادر ومعلومات وبحوث علمية جادة عن مجمل النشاط الموسيقي في تلك الحقبة من التاريخ أو ما سبقها . إذ تشير الدراسات المتواضعة القليلة أن الموسيقى الآلية بدأت بشكل مقدمات موسيقية للغناء ، ثم تطورت وتعددت أشكالها ، إلى أن وصلت إلى قوالب آلية مستقلة عن الشعر . كما أن بعضاً من تلك القوالب قد أدخلت على الموسيقى العربية وأشيع التأليف فيها رغم كونها من أصل غير عربي . ومع أن تلك القوالب الموسيقية بقيت محدودة وصغيرة في غالبيتها ، إلا أن بعضها منها قد تطور مع مرور الزمن رغم ظروف الاجتياحات والسيطرة على المنطقة العربية ، وما رافق ذلك من اضطهاد وكبت للحريات ، مما سبب ركود النتاج الموسيقي وخنق الإبداع الفني ، وانشغال الناس بحياتهم اليومية للحصول على لقمة العيش .