الناي كلمة فارسية تقابلها بالعربية كلمة ( الشبّابة والقصّابة والقصب ) ، وصيغة التصغير لها هي القصيبة.
يصنع الناي عادة من الخشب ، وأحياناً من المعدن . أما المزمار أسطوانة من الخشب أسفلها بشكل مخروط مجوّف وفي رأسها قشّة للصفير . وتقابل المزمار الكلمة الفارسية ( سرناي ) والكلمة التركية ( زورنة ) . وقد أوردت المراجع العربية المختلفة أسماء عديدة لهذه الآلة مثل : الداوود _ الزمخر _ اليراع ) .
أما عن تاريخ الآلة في عصور ما قبل الإسلام ، يرى الباحثون في تاريخ الآلات الموسيقية أنّ آلات النفخ التي تعتمد في نشوئها على القصبة أو العظم _ أي على الخامات الطبيعية _ موجودة منذ العصور الحجرية في أكثر الأقطار و في نفس الوقت ، وكذلك وضع الناي . لذا لا يمكن أن ننسب هذه الآلة إلى بلد معين .
تشير الآثار المصرية إلى أنّ أقدم ظهور للناي فيها كان في النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد ، وذلك بدلالة أثر موجود في متحف بأوكسفورد في إنكلترا .
أما في العراق ، فقد عثر في المقبرة الملكية في مدينة ( أور ) على أجزاء من ناي أصلي مصنوع من الفضة بطول
26,7 سم له أربعة ثقوب متساوية الأبعاد فيما بينها . كما عثر على ناي آخر مصنوع من الفضة أيضاً لكنه ذو ثقب وحيد ، ويعود زمن هذه الآثار إلى حوالي 2450 قبل الميلاد .
كذلك توجد رسوم كثيرة لهذه الآلات على آثار تعود إلى الألف الثاني والأول قبل الميلاد .
وفي فلسطين وسوريا تبدأ الآثار الخاصة بآلة الناي من القرن الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد وتستمر إلى ما بعد الميلاد
الناي والمزمار في الآثار الإسلامية :
إن آثار الأمويين ( 661 _750 ميلادية ) والعباسيين ( 750 _ 1258 ميلادية ) وآثار العصر المغولي ( 1258 _ 1294 ميلادية ) والإيلخاني ( 1295 _ 1370 ميلادية ) والتيموري (1370 _ 1501 ) والصفوي ( 1501_ 1525 ميلادية ) قد حملت إلينا مشاهد كثيرة تشير إلى استعمال الناي والمزمار ومنها :
1- رسم فرسيك في أرضية ( الحير الغربي ) في زمن الخليفة الأموي ( هشام بن عبدالملك 724 -743 ميلادية ) .
2- رسم جداري من العصر الأموي في النصف الأول من القرن الثاني الميلادي ، عثر عليه في حمّام قصير عمره الواقع على بعد خمسين كيلومتر شرق البحر الميّت في صحراء الأردن .
3- صورة غلاف لمخطوطة كتاب الأغاني مؤرخة عام 1217 ميلادي .
4- صورة في مخطوطة (مقامات الحريري ).
5- صورة في مخطوطة ( كشف الهموم ) تعود إلى القرن الرابع عشر .
وقد ذكر ( الفارابي ) في كتابه ( الموسيقى الكبير ) وصفاً تفصيلياً للناي والسرناي والمزمار المزدوج مبيناً عدد الثقوب ونغماتها وأبعادها مع ما يقابلها من نغمات العود .
ثانياً : البوق ( النفير )
وهو عبارة عن أنبوبة من النحاس ذات شكل أسطواني لمسافة ثلاثة أرباع طولها ، ثم يصبح شكلها في الربع الأخير مخروطياً ينتهي باتّساع يشبه الجرس .
إن أقدم أثر يرينا استعمال هذه الآلة يعود إلى فجر السلالات الثاني ( 2600 -2500 قبل الميلاد ) . وهذا الأثر عبارة عن كسرة من حجر الكلس موجودة حالياً في المعهد الشرقي بجامعة شيكاغو في أمريكا وقد نحت عليها شخص ينفخ في البوق .
ولقد أشارت النصوص المسمارية في النصف الثاني من القرن العشرين والنصف الأول من القرن التاسع عشر قبل الميلاد إلى اسم لآلة موسيقية هوائية تسمّى باللغة السومرية ( كي إيرا gi irra ) أو ( كه _ إير_را ge- er - ra ) ، وذكرت استعمال الرعاة لها . كما ذكر الباحث ( هيرتمان ) أن أقدم أثر مصري للبوق يعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد ، إذ نرى في رسم جداري في أحد القبور نافخ بوق يتقدم المحاربين .
البوق في الآثار الإسلامية :
نشاهد هذه الآلة في الآثار الإسلامية التي تعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي . ومنها صورة بريشة الفنان ( الوسطي ) يزيّن مخطوطة مقامات الحريري المحفوظة حالياً في المكتبة الوطنية في باريس وصورة أخرى في مخطوطة ( عجائب المخلوقات ) للقزويني وهي محفوظة في متحف الفنون ببوسطن في امريكا .
ثالثاً : القرن
إن الأسماء المعروفة في اللغات الأوربية لآلة القرن مقتبسة عن الكلمة العربية ( قرن ) . ففي الإنكليزية والألمانية ( هورن HORN ) والإيطالية ( كورنو CORNO ) . أما كلمة قرن العربية فترجع أصولها للكلمة الأكادية ( قرنو GURNU ) . وهذه الآلة تصنع أصلاً من القرون المجففة لبعض الحيوانات كالثيران والماعز ثم تثقب وينفخ فيها كآلة موسيقية ، وصنعت بعد ذلك من عاج الفيل والمعادن والفخار .
ويقول الدكتور الحفني : ( كانت بداية ظهور تلك في المدنيات الشرقية القديمة حيث صنعوها من قرن الحيوانات أو العظام بعد ثقبها ، أومن الأخشاب ثم من المعادن ) .
ولقد عثر في مقبرة ( توت عنخ آمون ) على أربع من آلات النفخ النحاسية . ويذكر الباحث الألماني الشهير ( هيكمان ) أن هذه الآلة قد ظهرت في مصر في عهد المملكة الحديثة ( 1850-1580 قبل الميلاد ) . ومن الطريف أن أحد النصوص المسمارية السومرية في القسم الأول من العصر البابلي القديم ( 1950- 1850 قبل الميلاد ) يخبرنا عن تجوال المنادي في شوارع المدينة ونفخه قي القرن معلناً ضياع ختم أسطواني يعود لأحد التجار ، فنستنتج من ذلك النص المسماري أن القرن كان مستخدماً آنذاك كوسيلة من وسائل الإعلام الرسمية .
كما جاء ذكر القرن ضمن آلات أوركسترا الملك الكلداني ( نبو خذ نصر 604- 562 قبل الميلاد ) التي ذكرتها التوراة ، إذ وردت هذه الآلة بصيغة ( قرنا KARNA ) . كما عثر على مجموعة قرون ومشاهد لها في أماكن مختلفة من سوريا وفلسطين بعضها مصنوع من العاج والأخر من قرون الحيوانات ، ويرجع زمن هذه القرون إلى الفترة من القرن الرابع عشر إلى القرن التاسع قبل الميلاد . وهنالك مشاهد متأخرة جداً لهذه الآلة ظهرت منذ القرن الرابع الميلادي .
القرن في الآثار الإسلامية
تعتمد معلوماتنا عن آلة القرن في العصور الإسلامية على ما عثر عليه من قرون في إسبانيا وصقلية وغيرها من الأقطار . وهي تعود في زمنها إلى القرن العاشر - الثاني عشر الميلادي . وهذه الآلات مصنوعة من سن الفيل ومزخرفة بنقوش نباتية وحيوانية وغير ذلك ، وكان بعضها مغطىً بقشرة من الذهب .