يعتبر استعمال القوس في العزف على الآلات الوترية بداية عصر جديد في تاريخ الموسيقى ، وتطوراً هاماً من الناحية الفنية الموسيقية . لأن الصوت بفضل استخدام القوس يأتي ممتداً ومتّصلاً .
إن أقدم إشارة تاريخية لاستعمال القوس تعود للفارابي ( منتصف القرن العاشر ) إذ يقول عند كلامه في ( الوجه في استخراج النغم من الآلات المشهورة ما يلي :( ومنها ما يحدث النغم بأن يجر على أوتارها أوتار أخر أو نا يقوم مقام الأوتار ) . كما إن استعمال القوس في العزف على بعض الآلات الوترية قد ورد في مؤلفات علماء آخرين مثل ( ابن سينا ) و ( ابن زيلة ) في النصف الأول من القرن الحادي عشر ، وابن زيدون في القرن الخامس عشر الميلادي . وقد انتقل القوس والآلات التي تستخدمه إلى أوربا في بداية القرن الحادي عشر الميلادي .
واختلف الباحثون في تحديد الموطن الأصلي للقوس . وظهرت في ذلك عدة نظريات وآراء منذ القرن الماضي . فجعل الباحث ( FETIS ) من شمال أوربا موطناً للقوس ، وقال آخر إن الشرق هو موطن القوس . ثم غيّر ( FETIS ) رأيه معتبراً الآلة الهندية الوترية المعروفة باسم ( رافاناسترون RAVANASTRON ) الأم والأصل الذي تطورت منه الآلات الغربية ذات القوس ، وقال إن القوس قد انتقل من الهند عبر إيران والبلاد العربية إلى أوربا ، وقارن كذلك ( الرباب والكمنجة ) بالآلة الهندية المذكورة .
وسرعان ما انتشر هذا الرأي بين الباحثين الموسيقيين في أوربا وخارجها ، فنجد مثلاً في كتاب الدكتور (الحفني)حيث كتب من دون ذكر المصدر قائلاً :
( أقدم آلة وترية وقع عليها بالقوس في تاريخ العالم كله هو آلة هندية قديمة يرجع عهدها إلى أكثر من خمسة آلاف عام قبل الميلاد تسمى ( RAVANASTRON ) وكانت ذات وترين أو ثلاثة ) . وكذا أكّد غالبية الباحثين الأوربيين هذه النظرية .
الرباب والجوزة
أطلق العرب لفظة ( رباب ) على عدة أنواع من الآلات الوترية ذات القوس ، شأنهم في ذلك شأن الفرس الذين أطلقوا لفظة ( كمنجة ) على آلاتهم الوترية ذوات الأقواس .
وفي المؤلفات العربية أشار ( الخليل بن أحمد الفراهيدي ) في القرن العاشر الميلادي إن العرب كانوا ينشدون أشعارهم على صوت الرباب . كذلك ذكر ( الجاحظ ) الباب في مصنفه ( مجموعة الرسائل ) ، وابن سينا وابن زيلة . أما الفارابي فقد عالج الرباب بصورة مفصلة .
ولقد تنوعت الرباب وعرفت بأسماء مختلفة حسب الأقطار . نعرف منها في مصر والشرق العربي ( رباب الشاعر ) وهي التي نسمّيها ( الربابة ) . وهي ذات صندوق صوتي مستطيل ذو جانبين مقوسين إلى الداخل ، وأحياناً يكون صندوقها الصوتي مربعاً .
وهناك ( الرباب المغربي ) المستعمل في المغرب والجزائر وتونس وليبيا . ثم ( الرباب التركي _الأرنبة ) التي تدخل في فصيلة الرباب ، والآلة التي تسمى ( كمنجة ) والمعروفة في العراق باسم ( الجوزة ) وفي مصر باسم (الرباب المصري ) .
إن رباب الشاعر ، أي رباب البدوي العربية محدودة الاستعمال ولم يرد لها مشاهد في الآثار الإسلامية ، لأنها لم تكن آلة البلاط والقصر بل آلة الكوخ والصحراء كما هي عليه الآن . والواقع أن شكلها المستطيل ذي الجانبين المقوسين يعود إلى عصور ما قبل الإسلام ، سوى أن العزف عليها لم يكن بواسطة القوس وإنما بواسطة المضرب الصغير أو بالأصابع . ويرى البعض أن رباب الشاعر هي الأصل الذي اشتقت منه آلة (الجوزة ) أي
( الكمنجة ) ، وهذا رأي غير صحيح تبطله الشواهد الأثرية التي أثبتت أن آلة الرباب ذات الصندوق المدور هي أقدم من الآلة ذات الصندوق المستطيل.