حلقات عقود الفقر (أنصاف الفاكهة)

2021-02-01

ما إن يدخل شارعهم التّرابي حتّى یطلق بوق درّاجته السّتوتة، بوق يمتدّ لخمس ثوان فينقطع، فيبدأ خمس ثوان أخرى؛ وكأنّه وُقٓت توقيتا يزمر خمس ثوان، يتوقف ثانية فيبدأ من جديد؛ وعلى هذا النّحو إلى أن يدخل البيت .
تسمع النّساءُ الأبواق فيسرعن صوب بيته ليجدنَ الدرّاجة محمّلة ممّا جمعه أبو جواد من الميدان .
هذه تملأ سلّتها خوخا، وتلك تعبّئ قدرها تفّاحا، وبعضهنّ اجتمعن حول صندوق الطّماطم أو البطاطس أو الخيار .
إلّا الخضرة، فإن امتدّت يد امرأة نحوها، نهرها أبو جواد :
الخضرة ليست للبيع، الخضرة للبقرات، الخضرة للبقرات .
وتترجّاه أمّ كمال بنبرتها الّتي تلين لها القلوب القاسية :
دعني أنقّي لي ضغثا من الكرّاث والرّيحان والفجل، غداؤنا اليوم (تشريبة) .
لكنه لا يستجيب ! ربّما لأنّه لا يستطيع أن يزن الخضرة كما يزن البطاطس والطّماطم والخيار؛ أو قد يكون الرّجل صادقا وإن خضرته الّتي جمعها من سلّات المهملات لا تصلح للإنسان وإنّما للبهائم .

وتسألها خيريّة وفي سؤالها شيء من المزحة : (تشريبة) ؟َ! ... يبدو أن الوضع عال عال !
وتجيبها أمّ كمال في الحال : تشريبة بالعظام، وفيها قليل من بطاطس أبي جواد وبصله وطماطمه .

تخرج النّساء بعد نصف ساعة أو أقلّ، ويتّجه أبو جواد إلى احتساء الشّاي، ثمّ إلى طبق الغداء فيخلد إلى النّوم .
يخرج كلّ يوم ساعتين قبل أذان الفجر متّجها إلى ميدان الخضروات، إلى حيث تباع البضاعات بالجملة، ويجمع ما سقط من السيّارات، أو ممّا يُرمى في سلّات المهملات من فواكه وباذنجان وبصل، ويضعه في الصّناديق الخشبيّة الّتي سطّرها على درّاجته .
يستغرق بحثه وانتظاره في الميدان 8 ساعات، ملتزما بهذا التّوقيت، وكأنّه يعمل في دائرة حكوميّة ! لا يتقدّم ولا يتأخّر !

ترجع أمّ مجيد من بيت أبي جواد وهي تحمل القدر على رأسها في تعادل لا يحتاج إلى إمساك، فتقول لجارتها وكأنّها تشكو فاقتها :
(أبو جواد ساتر علينا) لولاه لما استطاع أطفالنا تذوّق الفواكه، نشتريها منه بنصف سعر السّوق أو بربعه .
وتضيف متذمّرة : ماذا نصنع ؟! أبو مجيد يداوم يوماً ويجلس عشرًاً، يقول إنّ الأعمال بيد المستوطنين وهم لا يشغلون إلّا أبناء جلدتهم !
ثمّ تجلس تقطع الخائس ممّا جلبته من أبي جواد وتجعل الطّيب في سلّة صغيرة فتغسله وتضع السلّة في صينية أمام زوجها وأطفالها !
فترى الخوخ في السلّة أنصافا، والخيار أنصافا، والمشمش أنصافا، وقد جمعت نواه ليفلقها الأطفال لاحقا فيأكلون لبّها .
ثمّ تتّجه إلى المطبخ، تعزل ما لا يصلح من البطاطس فتصفى على أنصاف منها أو أرباع؛ أما الطّماطم، فتضع الصلب منها في المرق وتصنع من الّلين معجونا . (الّلين) هكذا تصفه !
قال لها ذات مرّة ابنها إنّ الفاكهة التافهة قد تمرّضنا؛ فنصحته أن يحمد الله ويشكره، وأنّ هذه الفاكهة ليست فاسدة وإنّما تجاوزت الحدّ من النّضج، أو قد مردتّها الصّناديق فأمست ليّنة... فاقتنع الولد .

 

سعيد مقدّم أبو شروق

 مدرس فرع رياضيات

يسكن  الأهواز

نشر قصصه في العديد من المواقع

نُشرت له مجموعة من القصص القصيرة جدا

saeed135057@gmail.com

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved