عندما نُشر كتابي كبرياء، أرسلتُ الإعلان إلى صديقي الدكتور قيس خزاعل .
بارك لي كتابي ثم قال :
هناك ملاحظة صغيرة أردت أن أشير إليها، بل هو خطأ نحوي أو إملائي وجدته في كتابك .
ثم تابع يخفف عني :
الوقوع في هكذا أخطاء قد يحدث؛ والأمر ليس مهما؛ لا تشغل نفسك؛ دعك في فرحة نشر كتابك .
قلت له : دكتور، ذكرني بالخطأ؛ عليّ أن أتعلم من أخطائي حتى لا أكررها .
واعدني أن يجد الخطأ ويرسله لي .
راسلته في اليوم الثاني طالبا منه أن يذكّرني بالخطأ الذي جاء في الكتاب لعلي أصححه في الطبعة الثانية .
أرسل لي صورة رمزية باسمة وقال :
لو كنت أدري أن خطأ صغيرا يشغلك لهذا الحد لما أشرت إليه .
قلت : هو ليس انشغالا بل اهتمام؛ وهل تدري لماذا أهتم لهذا الحد ؟
هذا لأني أحب العربية كثيراً .
وختمت جملتي بالصورة الرمزية ذات الهالة .
وبعد يوم آخر، أرسل لي الدكتور نصا كنت قد كتبته بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم، وقال :
لاحظ مفردة حنينا .
النص :
عبدالرزاق
اليوم تذكرت زميلي في الأول الإعدادي عبدالرزاق الهلالي .
سأله المدرس سؤالاً درسيا، وأجاب بلغة فارسية مكسرة هزيلة؛ فلم يستطع أن يعبر عما يقصده وبالتالي لم يفهمه المدرس .
فأراد عبدالرزاق أن يقول للمدرس :
أنت لم تفهم قصدي . فقالها بالفارسية :
(تو نمي فهمي من چه مي گويم)[1].
وجن جنون المدرس :
(من.....نمي فهمم !)
ونزلت على صديقنا مصيبة، ... شتائم ... ضرب ... إخراج من الصف... إحضار ولي أمره ....
في ذلك اليوم، خنقـتـنا عبرات الغربة؛ وحنـّينا إلى لغة أمنا حنينـًا ما انفك يهز قلوبنا .
فيا أولئك، الدراسة بلغة الأم حقنا .
انتهي النص .
وتابع الدكتور: الفعل من جذر (ح ن ن) المضاعف، وفي صيغة المتكلم يجب أن يفك إدغام الفعل ليصبح (حنـنـّا) .
ثم أضاف : أنا أسمي هذا الخطأ خطأ البيئة اللغوية .
والسبب الثاني للوقوع في مثل هذا الخطأ يرجع إلى ندرة استعمال هذه الصيغة من الفعل، فلا تثريب عليك .
انتهى كلام الدكتور.
أصدقائي الأعزاء، كم أتمنى أن نوسع صدورنا للنقد، ففي غياب النقد والنقاد سيبقى أدبنا حبيس جدران الأهواز لا يتجاوز حدودها .
ونحن نطمح أن ندمر هذا السجن، لنحلق في سماء أوسع .
وهذه دعوة للنقاد أيضا أن يشمروا عن سواعدهم ويسيروا مؤازرين مع رحلنا الأدبي نحو الرقي .
شكرت الدكتور كثيرا وقلت :
يبدو أن اللغة الدارجة أبعدتنا عن الفصحى !
ثم وضحت للدكتور أن حكاية عبدالرزاق لم تنشر في كتاب كبرياء والحمد لله،
ولعلي أنشرها في كتاب إذا ما تيسرت الأمور؛
وها قد صححت الخطأ الذي جاء فيها سهوا،
أو من ندرة استعمال هذه الصيغة من الفعل كما تفضلت،
أو ربما لأننا حُرمنا من التعلم بلغتنا العربية الفصيحة .
وأنا أميل إلى السبب الأخير طبعا ... بل أجزم .
فأكرر وأقول :
الدراسة باللغة الأم حقنا .
[1] الترجمة: أنت لا تفهم ما أقول .