من بصرة النخل الذي كان إلى ستوكهولم البحيرات واهبة التعاويذ والفرح إلى أكادير التي تحتضنها المرتفعات ويغسل شعرها البحر، لا أدري هل سأغادر أكادير إلى مدن أخرى أم هنا نهاية المطاف.
أكادير بالكاف الأمازيغية1ـ وتعني الحصن المنيع ـ قرية بحرية نشأت حول ميناء يتمتع بمؤهلات طبيعية وملاحية، الهزات التي تعرضت لها أفقدتها الكثير من الوثائق المحلية لذا فقد إعتمد المؤرخون على وثائق قبيلتي( كسيمة ومسكينة)، كما إنّ هناك مصدر آخر هو الوثائق البرتغالية، فقد إحتلها البرتغاليون سنة 1513 كقرية مسماة(فونتي) حولوها إلى حصن منيع مدجج بالسلاح بإسم (سانتا كروز) لغاية 1541بعدها تحرر على يد السعديين بقيادة (محمد الشيخ السعدي).
في النصف الثاني من القرن 18 وفي العهد العلوي تمتعت بالإزدهار التجاري لنشاط التجار الأجانب(فرنسا، إنكلترا، الدنمارك)، ونتيجة لتمرد بعض الزعامات المحلية أغلِق الميناء فتحول إلى مجرد محطة مرحلية للقوافل التجارية العابرة من أفريقيا والصحراء إلى(الصويرة) وبالعكس.
مر بها الرحالة( شارل دوفوكو) سنة 1884فوصفها بالقرية المتواضعة وضلت كذلك إلى فترة الحماية الفرنسية حى إنبعثت من جديد مطلع القرن 20 حيث شهدت تطورات كبرى إلى اليوم.
نقلاً عن موضوع (مدينة أكادير)لعمر أفا
كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ الرباط
بتصرف وإختصار شديد.
البيت
البيت صالون وغرفتان، على حائط الصالون لوحة لشابة أمازيغية رقبتها مزينة بقلادة من الكهرمان، ومثل نخلة الجنوب إنتصبت في منتصف اللوحة شجرة (أرجان)2 والتي شكلت في يومها وجه المدينة.
أتخذ مقعدي ـ كيفما يحلو لي ـ أستمع للأغاني التي لم أسمعها من زمان، ثمة لحن أستقبل به أيامي القادمة، لحن أعيد فيه إكتشاف ذاتي.. ينابيعي الجافة وجهلي المطمئن.
جولة
هاهي أقدامي تجدد طقوس البحث، متجهاً صوب الأشياء التي تجمعني بالآخرين،قد أطيل الوقوف فوق الأرصفة، قد أراهن على ما أسمعه من الكائنات،إلا إني مع هذه الشمس والطقس الناعم على ضفاف المحيط لن تشيخ كلماتي.
أكادير
سوق الأحد..ساحل أكادير.. ساحة الود وحديقة الداخلة رباعي يطاردك من دون أن تطارده في هذه المدينة التي تتحرك بماضيها وحاضرها غير مكترثة بالعابرين ووقتهم العابر، ما يهمها أن لا تتركها من دون تغذية أسرارها.
سوق الأحد
نسيم يميل صوب المحيط، الحياة هادئة في ظلال الحيطان القديمة، وعند بوابات السوق الثلاثة عشر المتوشحة بالخضرة وصوت طنين الباعة بإنتظار رحيل النهار، حيث تختفي الأصوات ويسوَد النبات المعترش ـ بعد صرير الأبواب الصدئة ـ من عمق السوق الشاسع لتبدأ الرحلة: رحلة القطط وعتمة الليل الطويل.
ساحل أكادير
الأماكن موزعة،"خاصة لسعادة السياح"حيث الموت لا يغرس جذوره والثلج لا يعيق المسير.
عند تخوم النهاروالليل، وفوق هذه الأرض ذات العبارة المفتوحة على البحر، تعيش الأشياء الجميلة مع الوعود المؤجلة.
ساحة الود
مع كل مساء جديد، الأقدام مسرعة .. الأجساد متزاحمة والطقس في صالح الجميع، باقات من فتيات بحركاتهن كالفراشات، ومع اللغة الناعمة التي لا أفهمها بعد!، أمتنع عن التعليق بإنتظار ما سيأتي!.
حديقة الداخلة( المستنبَت)
الحديقة تجتاحها الشمس وتتقاطر عليها المجاميع، المجاميع التي تغني وتبتهج تحت الأشجار، شفاه تتمتم وأفواه ضحكاتها مجلجلة، في الحديقة الواسعة تتجدد الطقوس من دون جريمة أو خوف من تفجير، الحسرة تجتاحني وأنا أفكر بأرضي التي يزهر فيها الموت بدلاً من عباد الشمس.
المكان: شارع محمد الفاسي/ أكادير
الزمان/مساء الحادي والثلاثين من كانون الأول 2014
المساء جميل، النجوم تكلم بعضها همساً،لكني لا أسمع أجراساً تصدح، بل أصواتاً ما بين العتمة والضوء ولا أرى ألعاباً نارية، بل قمراً محاطاً بالصمت!.
وحده الجمال ( الصحراوي)ـ بالرملي والأصفر، بالفيروزي والأزرق،بالآسي والأخضرـ يحتل الشارع.
مقهى( ريان)
المقهى حاشد ورائحة الشاي بالنعناع لا تتباطأ، إمرأة عند المدخل كلامها مخلوطاً بالجوع، طفلٌ ـ منظره يعانق نظري ـ يوزع أدعية كي يكسب قوته، شيخٌ محني الظهر مرتجف الكف يغني، غناءه محموم!!.
مقهى(النافورة)
يدور الحديث عن الجمر والرخام، قال حالمٌ: بارد في الشتاء الرخام، وفاتنة المقهى تنفخ بالجمر فتوقد في أجساد الرجال الرخام !،حالمٌ آخرـ من دون أن يحسن القول ـ يرتشف القهوة، يباغته السعال، وفي عمق ضحكاته العالية يكرر القول: إنّ النهارَ جميلٌ، ولا يعرف أين يلقي المراسي!!.
القطط
القطط التي تلعب في الشارع هي نفسها تطرق الباب ليلاً، تُدخلها (جارتي) وتُفرد لها مكاناً في مطبخها الأنيق ..تطعمها في آنية من (البورسلين)بعلاماتها الفارقة، تعبر القطط بعدها قاعة الجلوس الفسيحة، تتسلق سياج الشرفة، تشم أصص الورد!، تموء وهي تنظر للشارع.
فرح مغربي
مندفعون سعداء، بعيداً عن شمس الأيام السوداء، شباب كالنحل في حلقة الرقص.
هنا صوت الطار يرن بإذني، فتتلوى روحي فرحاً!،أخفض رأسي وأتمتم: "هناك عرفنا (الحزن ): ذل..تعذيب..سجن..تشريد، قتل.
لكن ما لا نعرفه (الفرح): أن تُبقر بطن..تُجرح كتف.. تُقتل طفلة؟!!."
أثناء تجوالي في حديقة الداخلة (المستَنبَت)، الحديقة الواسعة والتي يقع في إحدى زواياها(مركب ـ مركزـ محمد الدرة الثقافي) في منطقة الداخلة تذكرتُ بستان(الحمادّية) الذي كان في أبي الخصيب والذي كان يشهد جلسات الأنس والطرب.
في بستان (الحمادّية)المعتم وعلى نقر الطبل وإيقاع المرواس تنطلق الحناجر الصافية بالكلمات المرتعشة!"على ضيك يا كمر على ضيك"، فيتحرك الهواء ـ الغناء بين الأشجار.
في بستان (الحمادّية) وعلى صوت اليأس لن تحلو" السهرة على ضيك"، لأنَّ الحناجر صامتة أمام بحر العذاب ونيران جهنم!!.
البصرة ـ أكادير
إلى كل الشرفاء الحقيقين، إلى كل الحالمين ببصرة تليق بهم جميعاً.
أكادير قرية فـ(ولاية).
أكادير طفلة تلعب على ضفاف الأطلسي وتنظر للقمر.
أكادير أمرأة كاملة الأنوثة يطوق خصرها الجبل ويغسل شعرها ماء البحر.
أكادير جسد لا ينام وقبلة لا تنتهي وبحر لا يتعب من تكسير الموج.
***
البصرة ولاية ثم قرية.
البصرة طفلة سرقوا كل ألعابها من دون أن تصيح.
البصرة قمرها إختفى.
البصرة أمرأة منهكة تعلك السباخ وتغادرها غابات النخيل، جسدها يحترق تحت البيارق المختلفة الألوان بإنتظار اليقظة من دون دماء!!.
إلى سائح عربي
إحترس..!أكادير فاتنة، ألوانها غير ما تشتهي، فالصباحات من دون طعم الخبز من شتلة(الذرة) وأرصفة البنات وأشعة الشمس التي لا تنطفئ ورقصة( الأحواش منتفرخين)3 هي رحلة لا تكتمل.
تذوقت (كسكسها)4في البيت ، إستمعت إلى غناء بناتها5 ليس في الملهى .. في الداره القديمة عند سفح التل، ذكروا لك الزلزال6.. وأنت تدخن الغليون مبتهجاً..؟! أنصت ولا تجعل بهائم روحك تتجاوز غلطة الأجساد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ تلفظ كالكاف الفارسية وتُرسم كاف عربية فوقها ثلاث نقاط.
2 ـ شجرة أركان أو جوز البربر، شجرة نادرة للغاية تتواجد فقط في جنوب المغرب وبعض مناطق الجزائر في تندوف وجهات مستغانم ويشتهر بزيته الذي هو أغلى الزيوت في العالم لكثرة فوائده. (الموسوعة الحرة).
3 ـ رقصة الفتيات بالأمازيغية.
4 ـ وجبة غذائية قوامها البرغل والخضروات ولحم الضأن أو الذجاج.
5 ـ( تنظامت) الغناء الشعبي.
6 ـ كان للمساعدة المجزية ـ آنذاك ـ من لدن العراق حكومة وشعباً أثراً بالغاً في نفوس السكان ليومنا هذا. ( ضرب الزلزال المدينة عام 1960).