بعثرت أشرطة الماضي ووجدت شريطا ًيعود بي إلى الابتدائية، وبالتحديد للرابع الابتدائي .
لا تظنوا أني كنت ابنا مدللاً من طبقة الأثرياء، صوروا لي مراحل عمري من الولادة حتى الآن في أشرطة فيديو،
بل أقدم صورة لدي تعود إلى الثالث الابتدائي، وهي صورة مقياسها 3 في 4 باللون الأسود والأبيض .
ولم يلتقط أبي صورة له ولا لأمي إلّا بعد أن طلبوا منه صورة لبطاقة الحصة التموينية التي قُننت بعد الحرب العراقية الإيرانية .
وضعت الشريط في جهاز ذاكرتي وعاد بي إلى سنين الفقر والشقاء :
أمرنا المدير أن نحلق رؤوسنا، فذهبت إلى حلاق كان يجلس على وعاء زيت صفيحي في حديقة عامة تقع بالقرب من منزلنا .
كان يأخذ الأجرة مقدماً ثم يبدأ الحلاقة، فرش لي قطعة قماش على الوعاء فجلست، ولون الشمس بدأ يشحب حتى تغير إلى الإحمرار، ولم يكد الحلاق العجوز يحلق نصف شعري حتى أخذنا الظلام، فلم يعد يستطيع أن يرى ليستمر دون أن يعبث بشعري، فقال لي آمرا :
عد غدا لأكمل قص شعرك .
لم أجادله، أعطيته الحق؛ لا أدري لماذا، ربما لأني لم أكن أجيد اللغة الفارسية لأعترض، ثم وبعد مغادرته غادرت وأنا أتحسس شعري بكلتا يدي .
في الصباح ذهبت إلى المدرسة، والعجيب أن أحداً لم ينتبه لشعري المضطرب إلّا ذلك الناظر السيئ الخلق الذي نعتني بنعوت ليست لائقة أن يتفوه بها مساعد مدرسة مثله . سامحه الله كان يبالغ في احتقار ذي الملامح العربية والذين لا ينطقون الفارسية بطلاقة .
بعد عودتي لم أتجه إلى ذاك العجوز الهزيل، اتجهت إلى أحد أصدقائي؛ طلبت منه أن يحضر المقص ويكمل حلاقة النصف المتبقي من شعري . وكلما تحاشى اقتراحي، زاد إصراري؛ أقنعته أن المهمة بسيطة . يكفي أن يمسك الشعر بأصابعه الأربعة ثم يقص ما يزيد عليها، فأذعن صديقي على كره منه... وكانت العملية موفقة .
وعندما طال شعري ثانية، وقفت أمام المرآة ومسكت المقص وأنشأت أحلقه بنفسي، وكانت العملية ناجحة إلى حد ما، وقد وفرت أجرة الحلاق لنفسي والتي كنت أحتاجها أكثر منه .
ومنذ ذلك العهد إلى الآن، لم أطو مسافة تنتهي إلى صالون حلاق قط؛ ولم أعدم وقتا في صالونه أنتظر أن يحين دوري، ولم أنفق مالاً الأحرى أن أدفعه لمن يسدي لي خدمة أنا عاجز في إنجازها . بل وفرت ذلك الوقت لقراءة كتاب، وذاك المال لصدقة فقير مستحق .