اختفى كل شيء

2014-12-02
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/f0a42ded-4a4f-4e17-a4cd-2dc6574cce2a.jpeg
 رأيت في ما يرى النائم أني أجول في حدائق مزهرة، تخترقها أنهار وتؤثث أشجارها طيور فردوسية. الجو بديع، والفصل ربيع. لكني حزين، و حزني أثقل من الصخرة فوق كتفي سيزيف. 

هل هو حزن البعد عن الأحباب؟ هل هو حزن الانتماء إلى وطن يتجرع مثقفوه يوم بعد يوم مرارة العزلة وعدم القدرة على المشاركة الفعلية في تنمية الوطن ؟

 رباه ! الحديقة شاسعة مترامية الأطراف غير أن حزني بدل أن ينقلب فرحا وسط هذا الفضاء الكبير استحال قطعة من المعاناة. 

ها هو صديقي خالد ألمحه جالسا على كرسي من الخشب في زاوية بعيدة. انشرحت، تهلل وجهي فرحا لرؤيته. و دار بيننا الحوار التالي 

- من أين أتيت ؟ و كيف قفزت إلى هنا ؟ ألا تدري أنك، والحديقة، والأشجار، والطيور..و..و..و.. كل ذلك حلم في حلم؟؟
- لا يهم. المفيد أني رأيتك..اسمع، ليس بين الحقيقة والحلم فرق إلا ما أوجدناه في عقولنا. هل تدري ماذا فعلت في الأشهر الأخيرة ؟
- ماذا فعلت ؟
- لقد هاجرت إلى الضفة الأخرى و قررت عدم العودة إلى الوطن... 
- عدم العودة ؟؟ و لو بعد عام، عامين أو خمسة أعوام ؟؟
- لن أعود بتاتا ما حييت...
- يا الهي و لم كل هذه الثقة ؟ كيف لك أن تتحلى بكل هذا التصميم ؟
- اسمعني جيدا... في بلد أغلب سكانه همهم الوحيد أكل وشرب وذهاب إلى المراحيض، لا يمكن أن تتوقع نهضة فكرية أو مشروعا تقدميا يغير نحو الأفضل ملامح المستقبل. لا يمكن... 
- أ لهذا الحد؟ أ لست متشائما نوعا ما ؟
- بلى، وانظر أيضا إلى الكم الهائل من الحقد والكره المخزون في الكثير من الصدور. ألا تصيبك بالتقزز مشاهد القتل والدم و الظلم اليومي وقمع البشر والتنكيل بهم في سورية ومصر وتونس، و... و...و... ؟
- بلى، إني أستشيط غيظا، وأكاد أموت غما عندما أشاهد في القنوات التلفزية أو على اليوتيوب كل هذه الفظاعات التي جردت الإنسان من إنسانيته...
- إننا نحتاج أكثر من أي وقت مضى في زمن تفاقم فيه الكره والحقد إلى الدين الروحاني الذي يعلمنا الحب والرحمة والتسامح اللامحدود.

ما زلنا نحن الاثنين في الحديقة..غير أن حوارنا قطعته فرقعة بالونة كبيرة. 

العجيب أني وخالد و الحديقة والأشجار والطيور كنا نقبع داخل البالونة... وصرنا في لمح البصر هباء منثورا... لقد توحدنا مع الفراغ.. صار الفراغ نحن، وصرنا فراغا فوق فراغ.

والآن... اختفى كل شيء...



* أديب و أستاذ جامعي 

amrimahdi@yahoo.fr

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved