في ظل السعي الدؤوب للدول والحكومات علي مواجهة الفكر المتطرف وبذل الجهود من أجل القضاء عليه، يبدوا لي أن هناك عنصرا هاما يمكن إستغلاله، لتنمية وعي الشباب وإحاطته بالكثير من الدروع الواقية، ضد تغلغل تلك المفاهيم المغلوطة إلي عقولهم .
هذا العنصر يتمثل في البعد الثقافي لصناعة السياحة، والتي تعتمد إعتمادا كليا علي العنصر البشري، والذي أصبح في حاجة ملحة إلي التثقيف والتوعية .
العامل في القطاع السياحي يكون علي إتصال مباشر مع السائح الذي يمثل ثقافة مختلفة .
هذا الاختلاف الثقافي أدعي للتواصل والحوار وفك رموز ذلك الإختلاف، للإطلاع على فكر وثقافة هذا الآخر، المختلف عنا عربيا، في عاداته وتقاليده .
هناك أمور حميدة يمكن ان تكتسب، عن طريق المعايشة، والمراقبة، والملاحظة، فالاحتكاك المباشر بالسائح يوفر للعاملين بالقطاع، فرصة لا تتكرر، للتواصل الحضاري، والثقافي، ولكن ذلك يتوقف علي درجة وعي المتلقي وإستعداده للتعلم، وهناك أمور تكتسب عن طريق تنمية المهارات، وصقلها بعمل عدة دورات تثقيفية دورية، لتنمية وعي العامل بالقطاع السياحي، بأهمية السياحة، ليس علي المستوي الاقتصادي فقط، ولكن علي كافة المستويات الإجتماعية والأخلاقية أيضا .
الإعلام بكافة أشكاله، لابد له أن يكون فعّالا في تثقيف المجتمع بالأهمية القصوي للقطاع السياحي . فالإعلام يسيطر علي العقول، ويمتلكها، وقديما قالوا أن من يملك الإعلام يملك العقول .
دور الإعلام نافذ وقوي، في السيطرة علي العقول، ومن السهل جدا توجيه برامج معينة للشباب، ممن يعملون في القطاع السياحي، لتنمية وعيهم وبلورة أفكارهم ومعتقداتهم الخاطئة حول تلك الصناعة الهامة .
ان دولنا العربية، في حاجة ماسة إلي إعلام سياحي قوي، ينفذ إلي وجدان وعقل المواطن البسيط ، ويقوم بعملية تحفيز غير مباشرة للمواطن، علي ضرورة متابعة كل ما يتعلق بالقطاع السياحي .
الأفكار الظلامية تنمو في البيئة التي تسمح لها بذلك، وتجد صعوبة قصوي على النفاذ إلي المجتمعات التي تعلي من شأن الفكر والثقافة .
العاملون بالقطاع السياحي العربي، هم حائط الصد المنيع ضد تفشي ظواهر الكره، وبغض الآخر، لأنهم أكثر فئات المجتمع حرصا علي نمو القطاع السياحي، وتحقيق طفرة نوعية في مستوي الخدمة المقدمة إليه .
لابد أن نعيد التفكير في نظرتنا إلي صناعة السياحة، وأن يكون تركيزنا في المرحلة القادمة علي البعد الثقافي للسياحة، كونها أسرع وسائل التواصل المباشر مع السائح، وكونها المرآة التي تعكس ثقافة وتحضر مجتمعاتنا العربية أمام هذا الضيف .
مهما قمنا من محاولات تسويقية محمودة الأثر والنتيجة، إلاّ أن الإتصال المباشر يبقي أكثر فاعلية في تبني السائح وجهة نظر ما عن بلادنا العربية .
تشجيع الإبتكار ورسم صورة حقيقية عن الحميمية، التي تتمتع بها أقطارنا، ودفء المشاعر، كلها أمور تميزنا عن غيرنا من مقدمي الخدمة السياحية .
ان تراثنا الثقافي والحضاري وعاداتنا، هي أدواتنا الفعالة لتوصيل الصورة الحقيقية عن مجتمعاتنا العربية، فنحن نملك أكثر من نصف آثار العالم، ولدينا مخزون ثقافي مازال يبهر العالم، ولكن الإستفادة المرجوة مازالت ليست على القدر المأمول .
السياحة لم تعد رفاهية، بل أضحت صناعة كبرى، توفر ملايين فرص العمل، وتقضي علي مشاكل البطالة، وهي بذلك تكون أول من يحارب الإرهاب الفكري، لأن البطالة أول سبل التطرف والانحراف الفكري .
ممارسة مهنة السياحة في حد ذاتها هي تنمية للأخلاق، فنحن نُعَلّم العامل بالقطاع، أن الإبتسامة في وجه العميل، ضرورة قصوى لا غني عنها، ونعلّمهُ، أن الإهتمام بالمظهر والملبس، من شروط العمل بالقطاع السياحي، ونعلّمهُ، إحترام وتقدير عادات السائح المختلفة عن عاداتنا، كل ذلك نطلق عليه في النهاية تنمية وعي وثقافة العامل .
ان المحاولات التي تبذلها الدول علي كافة الأصعدة، تستهدف في المقام الأول تنمية الإنسان الذي هو محور التقدم، والرفاهية، التي نرجوها جميعا لمجتمعاتنا العربية .