قبل النكبة في العام 1948، شهدت الحركة الوطنية الفلسطينية، التي اتسمت بطابع تنافسي بين كبرى العائلات، سلسلة من الانقسامات والصراعات بين أطرافها، فيما كانت العصابات الصهيونية تتهيأ للإنقضاض على الحقوق الوطنية الفلسطينية.. ومن هذه العائلات؛ الخالدي، الحسيني، النشاشيبي، العلمي وغيرها..
الإنتداب البريطاني، لعب على وتر هذه الإنقسامات، وعمل على تغذيتها بطرق شتى، فدعم عائلة ضد أُخرى، وبث أخبار حول تعاون هذه العائلة معه، ونشر أخبارا بموافقة هذه العائلة على هذا المشروع السياسي أو ذاك واجتمع سراً مع هذا الزعيم بمفرده، وقتل واغتال ليوزع التهم بين العائلات . وهذا ما كان يزيد من سعير الإختلافات والإنقسامات، التي لم تكن تحتاج سوى إلى شعرة لتقصم ظهر البعير..
واحدة من أسباب هذه الإنقسامات كان الصراع على النفوذ، وعدم القدرة على تحديد مكمن الخطر؛ أهو في الإنتداب البريطاني أم في الحركة الصهيونية، أهو في الزعامات العربية التي كانت شريكاً للإنتداب في بعض أوجهه أم في بعض مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية.. لذلك لا غرابة أن من الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها الحركة الوطنية هي عدم إيلاء الأهمية التي تستحق لمسألة السلطة والمرجعية التمثيلية الجامعة..
وإن اختلفت الظروف الراهنة بقواها ومكوناتها وأطرافها، إلّا أن التوصيف يبقى هو ذاته.. الخطر على القضية الفلسطينية اليوم يزداد، فيما الإنقسام الداخلي يكبر ويتسع . لكل دولته وإمارته، ولكل تجمع مرجعيته، بل لكل قطاع اجتماعي من يمثله وينطق باسمه.. وكل هذه العناوين لا تختلف كثيرا عن تلك العناوين التي كانت سائدة في فلسطين قبل أكثر من مائة عام..
قد لا تكفي اللقاءآت الثنائية والثلاثية، وحتى اللقاء ذات الصبغة الجامعة، كي نقول أننا دخلنا المسار الصحيح من الوحدة الوطنية، رغم أهمية هذا النوع من الحوارات واللقاءآت التي تريح الحالة الفلسطينية، أقله من الناحية النفسية والمعنوية، لكن في السياسة فنحن نحتاج إلى ما هو أكثر وأكبر من لقاء هنا وموقف هناك . نحن نحتاج إلى العمل في الميدان بشكل وحدوي على أرضية برنامج مشترك تجمع عليه أو تتوافق بشأنه كل فئات الشعب الفلسطيني، وهو ما نسميه البرنامج الوطني الذي يجب أن يؤطر ويستثمر كل نضالات شعبنا في جميع الساحات..
رغم أن الجميع يتفق على مكمن الخطر، بشكل يختلف عن مرحلة ما قبل النكبة، ووجود الكثير من عوامل الوحدة والتضامن كوجود الشعب الفلسطيني وكيانيته التمثيلية الجامعة، منظمة التحرير الفلسطينية، واعتراف العالم بحقوقه الوطنية وغير ذلك من نقاط قوة يجب الإستفادة منها إلى أبعد حدود ممكنة.. إلاّ أنه وللاسف فالممارسة الميدانية لا تؤشر ان هناك من استوعب دروس الإنقسام وتداعياته السلبية على كل عناوين القضية الفلسطينية والتي تعتبر، في بعض أوجهها، أكثر خطرا ربما من صفقة القرن..
هل يكفي القول؛ أننا متفقون على إن اسرائيل هي العدو وتحديد مكمن الخطر كي نضع رأسنا في الرمال وننتظر من سيأتينا بعصا سحرية تعيد لنا بعضا مما خسرناه لصالح هذا العدو ؟ نحن نحتاج إلى البناء على توافقنا عليه حول توصيف المرحلة أولا وتحديد أهداف النضال الفلسطيني وآلياته، لكن هذا بمفرده أيضا لا يفشل مشروعا ما لم يقرن بمشروع مضاد يتصارع مع ما هو مطروح من مشروع سياسي اسمه اليوم "صفقة القرن" .
نحتاج إلى كثير من إرادة، ونحتاج إلى قليل من الحكمة الوطنية من العائلتين الفصائليتين، كي لا يعيد التاريخ نفسه .
بيروت في 21 تموز 2020