رغم أنفكم.. إنتصرت فلسطين

2021-05-24

رغم أنف الانهزاميين المهرولين الذين تواطئوا على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية طيلة السنوات والعقود الماضية.. انتصرت فلسطين بدماء ابنائها، وفشلت آلة العدو الاسرائيلي في تحقيق اي من اهدافها المعلنة، وكان نصراً لكل الشعب الفلسطيني في قطاع غزه والضفة الغربية وفي الأراضي المحتلة عام 1948 ومناطق اللجوء والمهاجر، بل نصراً لكل حر قال كلمة حق دعماً لفلسطيني ومقاومتها ورفضاً للعدوان الإسرائيلي الذي فاق في همجيته كل تصور.

نعم، كانت حربا على كل الشعب وليس على فصيل معين، والإشارة إلى هذه النقطة هو من أجل إفراغ دعاية المحتل من أي مضمون، وهي التي سعت إلى إبراز كذبة أن عدوان الإحتلال كان ضد ما يسمى "ارهاب فلسطيني"، هذه الدعاية التي ساهم في الترويج لها البعض من فاقدي الإرادة من اتباع النظام الرسمي العربي وإعلامه، الذين لم يتقبلو حقيقة أن أي فلسطين يمكن أن تنتصر، بعد عقود من سياسة غشل الادمغة والغزو الثقافي التي كرست لدى البعض ثقافة الهزيمة، وبعد كل سنوات الحروب العسكرية والسياسية والإقتصادية والنفسية بتفوق العدو الصهيوني، الذي أرعب جميع الجيوش العربية.. وحصل هذا الأمر في العام 2006، عندما شنت إسرائيل عدواناً مماثلا على لبنان، وبعد انتهاء الحرب واعتراف إسرائيل بهزيمتها، ظل البعض يعاند الحقيقة والميدان بأن اسرائيل لم تنهزم..

يبدو أن العدو الإسرائيلي لم يفهم بعد حقيقة تعلق الفلسطيني بحقوقه الوطنية وفي مقدمتها قضية القدس وما الذي تعنيه بالنسبة له . رغم أن القدس كانت حاضرة في كل جولة من جولات الصراع، وفي الكثير من المنعطفات الكبيرة كانت تعود لتتصدر مشهد النضال الفلسطيني، بعد أن ظنوا واهمين أن "صفقة القرن" أنهت المهمة، وأزاحت عنهم حملا ثقيلا أتعبهم طيلة العقود الماضية، ليخرج المقدسيون من تحت الركام منتفضين ليؤكدوا أن القدس لا يمكن أن تموت.. حدث هذا  عام 2000 عندما حاول الإرهابي أرئيل شارون تدنيس المسجد الأقصى، زيارة بعد تبعها انتفاضة الحرية والإستقلال، وحدث أيضاً عام 2016 بانتفاضة الشباب المقدسيين، التي ما زالت متواصلة بأشكال مختلفة من الطعن والدهس وإطلاق النار ورمي الحجارة وغير ذلك مما تيسر من وسائل مقاومة شعبية، وحدث كذلك عام 2017 في إطار ما سمي بمعركة البوابات الإلكترونية وتركيب كاميرات ومعركة إفشال مشروع التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى.. وعشرات المعارك التي خاضها ويخوضها المقدسيون بشكل يومي مع الإحتلال ومستوطنيه .

بعيدا عما تحقق من انجازات على المستوى الداخلي الفلسطيني، وجب التأكيد على مجموعة حقائق ابرزتها وقائع الإنتصار:

* - حققت المقاومة الفلسطينية خلال عشرة أيام إنجازات استراتيجية عجزت عن تحقيقها مفاوضات أُوسلو التي استمرت اكثر من ربع قرن، بعد اوصلت القضية الفلسطينية بجميع عناوينها إلى أدني درجات الإهتمام الدولي والعربي، وعرّت الكثير من أنظمة رسمية عربية اخذت من تلك المفاوضات ذريعة للتهرب من مسؤولياتها القومية والأخلاقية والإنسانية تجاه القضية الفلسطينية .

* - اكدت وبالملموس حقيقة فقدان إسرائيل لما يسمى "قدرة الردع"، وهذا ما عبر عنه في صحيفة هارتس (19 ايار) لوف بن بقوله : "ان هذه العملية هي الأكثر فشلا في تاريخ إسرائيل"، مستنداً بذلك إلى مجموعة من النماذج منها التي يمكن الإشارة إليها :

* - في العام 2006 منيت إسرائيل بهزيمة ساحقة في لبنان أدت إلى تشكيل لجنة تحقيق (فينو غراد) تحت عنوان إخفاقات الحرب (هزيمة الحرب)، وهو ما وضع نصب أعين المؤسستين العسكرية والسياسية كيفية إعادة الإعتبار للجيش وقدرته الردعية التي تهاوت .

- في العام 2008 حاولت إسرائيل أن تستعيد قوة الردع المتهاوية في عدوانها على قطاع غزه (الرصاص المصبوب)، فمنيت بهزيمة وفشلت آلة العدوان، رغم القتل والتدمير الكبير، من تحقيق اهدافها بالقضاء على المقاومة..

- تكرر الأمر عام 2012 في عدوان (عامود السحاب)، ولكن النتيجة لم تكن بافضل من غيرها، حيث عجز جيش العدوان في تحقيق أي هدف من اهدافه المعلنة .

- في عام 2014، أعلن العدو حربا تدميرية على القطاع (الجرف الصامد)، أيضاً نتيجته كانت مخيبة للعدو بعدم قدرته على تحقيق أي من أهدافه سواء باستهداف قادة المقاومة أو بوقف إطلاق الصواريخ التي ظلت تتساقط على فلسطين المحتلة عام 1948 حتى اليوم الأخير من العدوان..

* - تمكن الشعب الفلسطيني ومقاومته من كسب معركة الرأي العام العالم، خاصة في بعض الدول التي شهدت مسيرات نوعية، كالولايات المتحدة، أو في بعض الدول الحليفة للعدو، وهو تحدي جديد أمام الحالة الفلسطينية خاصة على المستوى الرسمي بوضع خطة عمل لبعثاتنا الدبلوماسية، التي يعيش بعضها حالة بطالة مقنعة، وبالتفاعل مع مكونات الراي العام العالمي وإعطاء جالياتنا فرصة التعبير عن ذاتها والمشاركة في هذه المهمة الوطنية النبيلة بعيدا عن سياسات الإستئثار الفئوي والعبث بأوضاعها..

* - ان الرهان على الشعب هو رهان في مكانه، وأن الولايات المتحدة الأمريكية شريك كامل بالعدوان سواء عبر تعطيلها إصدار قرارات إدانة من مجلس الأمن او من خلال التواصل المباشر بين الرئيس الأمريكي ورئيس وزراء العدو، وأن من هو قادر على إعادة القضية الوطنية إلى صدارة الإهتمامات الدولية والإقليمية هو التضحيات الكبيرة للشعب الفلسطيني في قطاع غزه والصمود المنقطع النظير لأهلنا في القدس الذين أحبطوا، بدعم كل شعبهم،  كل المحاولات الإقليمية والدولية لجعل قضيتنا قضية ثانوية خارجة عن سياق الزمن والتاريخ .

* - يوميات العدوان أكدت أن استجداء الدعم الدولي لن يفيد في شيء، خاصة موقف الإدارة الأمريكية المنافق والكاذب الذي كان يتحدث بوجهين: وجه مع العدو ويطلب منه الإسراع في إنهاء المهمة وتحقيق نتائجها بشكل سريع، ووجه أمام الإعلام والرأي العام ويظهر بثوب الحريص على الدم الفلسطيني والذي يعمل على وقف حمام الدم في غزه .

لذلك فان سياسات التذلل على أبواب العواصم الكبرى لم تجد نفعا، بقدر ما ألحقت الأذى بالكرامة الوطنية . ولعل تجارب الشعوب ونجربة شعبنا الناصعة في الصمود والمقاومة قدمت نماذج ينبغي الإقتداء بها واستيعاب دروسها بأن المقاومة والإرادة هي من تصنع المعادلات السياسية المتوازنة، أياً كانت قوة الأعداء وأياً كانت غطرستهم وتعنتهم .

* - من نقاط الضعف ايضا في هذا العدوان، والتي انطلت على من بعض يدعون حرصهم على الإنسان الفلسطيني، هو تكرار العدو لتجاربه الفاشله عندما قتل المدنيين في لبنان في عدوان تموز 2006 وقبل ذلك، ظنا منه أن بيئة المقاومة ستنقلب عليها، فما كان من شعب المقاومة إلّا ازداد صلابة في تمسكه بالمقاومة باعتبارها السلاح الذي يحمي الأرض والشعب ويوفر لهما الكرامة والعزة . وقد كان واهما أيضا حين اعتقد أن باستهدافه للمناطق السكنية والمنشآت المدنية على خلافها، سيجعل الشعب الفلسطيني ينقلب على مقاومته، بل على العكس فكلما سقط شهيد أو جريح في قطاع غزه أو الضفة الغربية أو في الأراضي المحتلة عام 1948 أو على الأشرطة الشائكة بين فلسطين المحتلة وبعض دول الطوق العربي، كانت الجماهير الشعبية تزداد شراسة وصلابة ثورية وصموداً وبسالة في مواجهة المحتل وعدوانه..

نأمل ان يكون هذا العدوان عبرة للجميع بأن الإستهداف هو لكل عناوين القضية، وان سلاحنا الأهم والأقوى هو في وحدتنا ومقاومتنا، وان ما حصل في فلسطين التاريخية على امتداد أيام العدوان من مقاومة مسلحة ومواجهات ومقاومة شعبية باسلة هي صورة مشرفة ومشرقة من صور المعركة الوطنية الحقيقية، والنموذج المجرب الذي يجب تكريسه في العلاقة اليومية مع الإحتلال وعصابات المستوطنين، خاصة بعد ان أثبتت المقاومة الفلسطينية، مرة أخرى، أنها الدرع الواقي للحركة الوطنية الفلسطينية ولعموم أبناء شعبنا . وأن هذه المقاومة المنتصرة دائما تستحق كل الدعم والإسناد، من شعبنا وحلفاءنا واصدقاءنا، بما يمكنها من تطوير إمكاناتها وقدراتها القتالية والفنية، وتحقيق المزيد من الأهداف الأكثر فعالية ليس فقط في ردع العدوان والدفاع عن شعبنا. بل والدخول في مسار هزيمة هذا العدو..

 24 ايار 2021

فتحي كليب

عضو المكتب السياسي للجبهـة الديمقراطيـة لتحريـر فلسطين

fathi.alkulaib1966@gmail.com

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved