يكاد البرق في انثيالاتِ ذاكرتنا الجمعية يرتبطُ بالخير والسعادة على الرغم من وهلة الخشية التي يفرضها، لكن برق الشاعر والناقد المتألق مقداد مسعود مختلفٌ كثيرا لاسيّما في نصّه المعنوّن (برق الأضحى)، المنشور على منصة الحوار المتمدن في ٢٠٢٠/٨/٨، فهو يحملُ تناقضا متوارياً بقصد تعظيم الفكرة والصورة اللتين يبغيهما . فلابدّ للبرق أن يحمل خيراً مادام قد ارتبط بالأضحى، والأضحى عيدٌ، لكن الشاعر يترك المفهوم الجمعي لمعنى العيد و يدخل إليه من باب الأضاحي، ولابدّ أن تكون الأضاحي بريئة وطاهرة ومقدسة لسبب كامن فيها وهو أنها أضاحي، وسنرى ذلك في نصّه الذي يدهمنا بتعميم الحزن على الذكور والإناث، "لاتأنثوا الدموع"، فهو، الذّكرُ، حزينٌ أيضاً . ثم يبدأ الحزن من عتبة الباب حيث يأمل الشاعر أن يخلع كل ما يملك من عينياتٍ وهواجس عسى أن يدخل باب الفرح الذي يرجوه، لكنه مضطرّاً يدلف الى عالمين مختلفين بعد الباب، هما عالم الراقصين، الذي لم يشارك به، ونراه مضغوطا و مختصراً بكلمات ثلاث، "راقص عشاء الأثرياء"، فقدّم ذِكره، ليُسرع التخلص منه، إذ لا رغبة له فيه، و لا أهلية له عليه . وبعد ذلك نراه في العالم الذي يمثله، رغم أنه ليس خيارا له، وهو عالم الأرق والهدوء اللذين يحملهما على منكبيه، واللذين ينعتهما بالجفاف الذي يوحي بيباس العالم والروح . ولأن هذا العالم يهمه أكثر نجده موصوفا بست كلمات، أي ضعف عدد كلمات العالم الذي قبله، "هدوء جاف : على منكبيه يحمل أرقاً" . ثم يمنحُ الشاعرُ هذا العالم ماهيةً موجعةً تحسسه بالفقد والخسارة اللتين كانتا سببا في حزن أضحاه، حيث استيقظت يدُهُ، وصارت أصابعه تتذكر ما لم تعد تمسك به، ولم تعد له غير الدموع وسيلة ينفث بركانُ قلبه من خلالها هولَ الحزن المنغمر به، وتعود الدموع خاتمة لحال النص كما كانت مستهلاً له "الدموع : فوهتان لبركان القلب".