حكايةُ الخاتمِ الأسوَد
أنّا أخماتوفا
(1)
جَدّتي التتريّةُ
نادراً ما منحتْني هدايا؛
بل كانت حانقةً عليَّ شديداً
لأني عُمِّدْتُ .
لكنّها رقّتْ عليَّ، قبل موتِها
وأسِفَتْ، للمرة الأولى
متنهِّدةً :
" يا لَلسنين !
هاهي ذي حفيدتي، غدت امرأةً ! "
لقد غفرتْ لي حماقاتي
وأهدتْني خاتمَها الأسودَ
مُعلِنةً :
الخاتمُ لها،
ولسوفَ تُسعَدُ بهِ
خيراً مني .
(2)
قلتُ لأصدقائي :
" ثمّتَ من الحزنِ عميمٌ، ومن السعادةِ قليلٌ "،
وغادرتُ، مُخْفيةً وجهي؛
لقد أضعتُ الخاتمَ .
وقال أصدقائي :
" بحثْنا عن الخاتمِ في كل مكانٍ،
في الرملِ على امتدادِ البحرِ،
وفي المرْجِ بين الصنوبرات " .
*
الأشجعُ بينهم، لحِقَ بي في الزُّقاقِ
وأرادَ إقناعي بالتلَبُّثِ حتى المساءِ .
دُهِشْتُ لنصيحتِه،
وغضِبْتُ على صديقي لأن عينَيهِ كانتا رقيقتَينِ .
" لِمَ أحتاجُكمْ ؟
كلُّ ما تفعلونه أنكم تضحكون
وتتنافجونَ حول تقديمِ الزهورِ " .
لقد طردتُهم جميعاً .
(3)
وحين عدتُ إلى غرفتي
انتحبْتُ مثلَ طيرٍ جارحٍ
منطرحةً على الفِراشِ
لأتذكّرَ للمرّةِ المائةِ :
كيف جلستُ إلى المائدةِ البلّوطِ
أتعشّى،
كيف نظرتُ إلى عينَيه السوداوينِ
وكيف لم آكُلْ ولم أشربْ ...
كيف تحت مفْرَشِ المائدةِ المُفَوَّفِ
خلعتُ الخاتمَ الأسودَ،
كيف نظرَ ، هو ، في عينَيّ
ثم نهضَ ، وخرجَ إلى الرُّواقِ .
.........................
هُمْ لن يجدوا كنزاً يأتونَ بهِ إليَّ !
في البعيدِ
فوقَ القاربِ السريعِ
تُمْسي السماءُ قرمِزاً
ويُمسي الشراعُ أبيضَ ...
1917
______________________________________
تمّتْ ترجمة النصّ بلندن في الرابع والعشرين من تمّوز ( يوليو ) 2015
في ذكرى م .ب
أمنحُك هذه ، بدلاً من الزهور على قبرك ،
بدلاً من إيقادِ البخورِ ؛
لقد عشتَ على الكفافِ
واحتفظتَ حتى النهايةِ بتلك الكبرياء .
شربتَ النبيذَ ، وأطلقتَ الدعابةَ كما لم يطْلِقْها أحدٌ
واختنقتَ بين تلك الجدرانِ الضاغطةِ ،
وأنت ، نفسُك ، أدخلتَ تلك الضيفَةَ الرهيبَةَ
وبقِيتَ وحيداً معها .
أنت لم تَعُدْ ، ولا شيءَ يُسمَعُ ، في أيّ مكانٍ
عن حياتك النبيلةِ الأسيّةِ ،
صوتي ، وحده ، مثل نايٍ
يعلو في جنازتك الصامتةِ .
آهٍ ...
مَن تُراه يصدِّقُ ، أني ، نصف المجنونة ، أنا المنتحبة على الأيام الخوالي ،
أنا المتأجِّجة على اللهبِ الخفيفِ ،
أنا التي فقدتُ كلَّ شيءٍ ، ونسِيتُ كلَّ أحدٍ -
سوفَ أتذكّرُ الشخصَ
المـفْعَمَ قوّةً وإرادةً وتطلُّعاً لامعاً
الذي حدّثَني ، حتى أمسِ ، كما بدا لي ،
متكتِّماً على ارتجافةِ الألمِ المميتِ .
آذار 1940