العراقي وشقيقه العربي !!

2016-08-15
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/12f13fc5-a203-486c-bf5b-a5e94dd00424.jpeg
لم يأخذ هذا الموضوع ـ العنوان حقه من الأهتمام والبحث والتأمل والتساؤل لا بأقلام المثقفين والمفكرين والأدباء العرب ولا بأقلام زملائهم من العراقيين .. انه الموضوع الذي يفرض السؤال : الى متى يستمر العرب في لعب دورهم السلبي تجاه العراق وطناً وشعباً ووجوداً ومستقبلاً ؟! ولمصلحة مَن يستمر هذا الدورُ السلبي : دورُ الأخ  العربي في تحطيم وتدمير وتأخير وتأجيل أحد أهم البلدان العربية وأعظمها شأناً في تحقيق التوازن الستراتيجي بين العالم العربي ومحيطه الآخر، بل وفي رفع الشرق الأوسط والعالم العربي بأسره الى مرتبة أرفع وأسمى بين أُمم ومناطق العالم  لما يمتلكه العراق من طاقات بشرية علمية وادبية وفكرية وثقافية هائلة الى جنب طاقاته وثرواته المادية والمعدنية والأقتصادية والمائية والزراعية الهائلة  ؟!، حيث بأمكان العراق، طبقاً لدراسة اجراها البروفسور اليساري الفريد هاليداي، تغذية مليار انسان من محاصيل عام زراعي واحد اذا جرى استثمار أراضيه الزراعية بشكل مدروس وصحيح، ثم ان هناك أهمية العراق التاريخية الرمزية للعالمين العربي والأسلامي بأعتباره مهجة هذا العالم على مدى أكثر من خمسة قرون تعتبر العصر الذهبي في حياة العرب والمسلمين علماً وأدباً وفناً وفكراً وحضارةً، ولم يمر العرب بعد ذلك الى الآن في كل تاريخهم بعد بغداد وعراق العصر العباسي بمثل هذا الزمن الذي منحهم الريادة في كل ما يمكن ان يفخر به الأنسان السوي !!
نظرة العرب عموماً الى العراق والعراقيين كانت نظرة اعجاب واعتزاز وفخر وحب أيضاً واستمر هذا الأمر الى قبل عقود ثلاثة، وكان الطالب العربي أردنياً، فلسطينياً، لبنانياً، سورياً، سودانياً أومغربياً أويمنياً  يحلم في الدراسة في جامعات العراق، وكانوا يأتون بالفعل للدراسة في جامعاتنا الفاخرة والمتقدمة آنذاك يستقبلهم الكرم العراقي فيدرسون بالمجان بل وتُصرف لهم منحاً جامعية مجزية من أموال العراقيين مع مخصصات معيشة وسكن وسفر ورعاية طبية ! وما يصرف لهم منحة وهبة لا يطالبهم أحد بأرجاعها بعد حصولهم على الشهادة  ومغادرتهم العراق، بل ان هناك منهم من يحصل على بعثة من العراق لأكمال الدكتوراه في العراق أو في الجامعات الأجنبية وعلى نفقة العراق والعراقيين أيضاً، هذا في الوقت الذي كان الطالب العراقي الذي يدرس في وطنه يحصل على سلفة فقط إذا كان طالباً في السكن الداخلي، وهذه السلفة التي يتوجب عليه ارجاعها الى حكومة وطنه بعد التخرج هي أقل من نصف مايحصل عليه  زميله الطالب العربي الدارس في العراق . ففي الوقت الذي يحصل فيه الطالب العربي على منحة شهرية تعادل ستين ديناراً عراقياً آنذاك، وهذا مايعادل الراتب الشهري لموظف عراقي في تلك الأعوام، كان الطالب العراقي يحصل على سلفة لمبلغ يقل عن ثلاثين ديناراً شهرياً  .
وقد بلغ عدد الطالبات والطلبة العرب المتخرجين من الجامعات العراقية الألوف، بل انني استطيع التأكيد ان الوفاً منهم من بلد واحد مثل الأردن، حيث كنت أدرس في جامعة البصرة  في كلية العلوم وكان من زملائي الأردني والفلسطيني واللبناني والسوري  والسوداني واليمني بل والمصري أيضاً .
مامن أحد من الطلبة العراقيين عاب على أحد من هؤلاء انهم يدرسون بالمجان في جامعاتنا ويأخذون من أِمولنا أكثر منّا ..
بل انني أتذكر ذاك اليوم من الأيام في نهاية عام دراسي حينما كنت على موعد مع زميل وزميلتين من المجمع الجامعي الآخر الذي يضم كليّة الآداب وكليّة الأدارة والأقتصاد، كان الزميل عراقياً من أهل الديوانية والزميلة الأولى عراقية من سكنة الكويت أما الزميلة الثانية فأردنية تقيم في الأردن، وكانت تتأهب للسفر وقد رافقها الزميلان الى مجمعنا الجامعي لأنهاء بعض الأمور الرسمية في مكاتب الجامعة التي يقع أغلبها في مجمعنا، مجمع الكليات العلمية : العلوم والهندسة والزراعة ومركز مديرية التسجيل العامة في الجامعة.. راجعنا المكاتب معاً وانهينا معها أوراقها ومعاملاتها اللازمة ثم توجهنا الى العشّار مركز محافظة البصرة لتناول الغداء في مطعم حدّاد في سوق حنّا الشيخ، وهو مطعم هاديء وراقٍ وهناك امكان ان يزوره الرجال والنساء معاً على هيئة عوائل ..
حينما انهينا الغداء توجهتُ للدفع، ولا سيّما ان برفقتنا زميلتين ستتوجهان بعد أيام للسفر في عطلة كبيرة، ولكن زميلي العراقي منعني بأصرار عجيب، واقترح علي ان نسمح لزميلتنا الأردنية بالدفع، مثلما اعترضت الزميلتان على نيتي في الدفع وبقوة أيضاً بينما هم  جميعاً يبتسمون، دون ان أعرف السبب.. وقد بادرت الزميلة الأردنية بالدفع بالفعل وحينما نزلنا من المطعم وسرنا لخطوات تركتُ الزميلتين تسيران أمامنا لبضع خطى لأستفسر من زميلي لماذا أصر اليوم على ان تدفع البنات عنّا وبالذات هذه الزميلة الأردنية التي تنوي السفر بعد أيام قليلة لأهلها في عطلة الصيف الطويلة، فأجابني انها استلمت اليوم أكثر من ثلاثمائة دينار من الدولة العراقية فما ضرَّ لودفعت ثلاثة دنانير لغداء زملاء لها كلهم من العراق !!!
كان راتب مدرس الثانوية العراقي في ذلك الوقت لا يتعدى السبعين أو الثمانين ديناراً . وكان الدينار العراقي حينها يعادل ثلاثة دولارات أو أكثر قليلاً .
كانت الدولة العراقية تدفع للشقيق العربي منحة،  والشقيق العراقي يضيفه في بيته أو يدعوه الى المطعم !!
الغريب انني لم أسمع تذمراً واضحاً من الطلبة العراقيين طيلة أعوام الدراسة الجامعية رغم علمهم بالأمر، هناك بعض الأحيان تعليقات طفيفة ومطالبة بالمساواة، ولم أعرف ان أحداً من زملائنا العراقيين أسمعَ زميلاً عربياً له ملاحظةً أو أعتراضاً  في هذا الصدد، وما مردُّ هذا الى خشية أو خوف وانما الى حياء وحسن ضيافة ، والعراقي على العموم ابن 
مضيف أما بشكل مباشر  كأن يكون أبوه أو جده من أصحاب المضائف أو بشكل غير مباشر اِذْ ينحدر العراقي من هذه البيئة  : بيئة المضائف والبيوت التي تُقدِّم للضيف الطعامَ والشرابَ والدفءَ مجاناً ودون أنتظار أي مقابل !!
ثم ان الطالب العراقي على الأعم الأغلب كان يتلقى آنذاك المساعدة والأسناد من عائلته ومن أخوته واحياناً وبسبب التضامن الأجتماعي الكبير جداً آنذاك من أقاربه الآخرين أيضاً، رغم وجود بعض الطلبة من عوائل عراقية فقيرة او محدودة الدخل ممن كانوا في أشد الحاجة لمساندة ومعونة دولتهم !
لم يقتصر الأمر على الدراسة والجامعات ووفود الطلبة العرب الى العراق بل ووفود العاملين أيضاً، واذا كان عدد الطلبة بالألوف فأن عدد االعاملين في العراق من مصر وحدها يعد بالملايين وقد وصل بداية العام  1980 قبيل الحرب العراقية ـ الأيرانية  الى أكثر من خمسة ملايين مصري، يقول المنصف منهم الآن انهم أعادوا بناء مصر من أموال العراق، هذا أضافة الى أعداد غفيرة أخرى من بلدان عربية مثل السودان وتونس في ذاك الزمان الذي لم يتجاوز فيه سكان العراق 13 مليون  نسمة، أي ان أكثر من ربع سكان البلد كانوا من البلدان العربية الأخرى !!
وفي كل شأن عربي كان العراق ومنذ زمان بعيد حاضراً ومؤازراً ومتبرعاً بالدم والمال !!!
مثل هذا البلد وبعد كل هذه الويلات التي مرت عليه ينتظر من اشقائه الذين وقف لهم وأكرمهم وأعزهم وقفة كرم ونبل ووفاء!!!
أما كان الأحرى بالأطباء منهم ان يأتوا  لتضميد جراح أهله ولمعالجة أطفاله المرضى ضحايا الحصارات والحروب!!
أما كان الأجدر بالأساتذة والمدرسين منهم ان يتطوعوا لأعادة تأهيل الجامعات العراقية، وعلى الأخص منهم أولئك الذين تخرجوا في تلك الجامعات !!!
أما كان الأولى بالمهندسين منهم ان يأتوا للمساهمة طوعاً في اعادة اعمار العراق : جسور دجلة والفرات التي قُصفت، وشبكات الكهرباء والأتصالات التي ضُربت ومصانع ومعامل البنية التحتية التي هُدمت !!!
أما كان الأفضل لكتابهم وادبائهم وشعرائهم اسناد معنويات العراقيين بعد حروب وحصارات ابادة مع سبق الأصرار كانوا تعرضوا لها ولعقود !!
عوضاً عن هذا نجد كتّاباً وصحفيين، بل وحتى شعراء وأُدباء سخَّروا انفسهم لخدمة اعلام البترودولار الرخيص مهما دفع، هذا الأعلام المسموم السائر بأموال العرب للأنتقام من العرب والخاضع لأجندة صهيونية غربية لم تعد مشبوهة ومريبة فقط ونحن نرى بالواقع الملموس الآثار التي تدل على جريمة المجرم، فكان ثمنها العراق رأس العالم العربي، لأجل ان يُبقي المتنفذون الغرباء الأميرَ الطرطورَ على عرشه دميةً  والعبان !!
والعجيب الغريب ان بعض هؤلاء الكتّاب والشعراء والصحفيين والأكاديميين قد بدَّل ولاءه مباشرة من ولاء الى صدّام حسين الى ولاء لأمراء النفط بعد ان كان هذا البعض يأتي متبيتاً فنادق الدرجة الأولى في بغداد والبصرة والموصل مساهماً في فعاليات باذخة الأكل والشرب والمنح المادي تقام بأسم العرب والقومية العربية بينما كان الحصار المفروض من بروفسورات وخبراء الأمم المتحدة يحصد أجساد وأرواح الأطفال العراقيين الغضَّة البريئة !!
في أي أزمة ومعركة مصير من ازمات ومعارك مصير هذه الأمَّة لم يكن العراقي موجوداً وحسب بل كان في المقدمة تسبقه انسانيته قبل قوميته حتى تطوَّع للنضال الكردي والتركماني والكلداني والآشوري العراقي الى جنب العراقي العربي الذي لم يكن يكترث آنذاك لمقولة شيعة وسنّة حتى ان مدينة الحي الجنوبية الواقعة على ضفاف نهر الغراف أعطت شهداء في المظاهرات التي عمّت مدن العراق أحتجاجاً على العدوان الثلاثي على مصر في العام  1956. ؟! ولم تكن تلك المدينة التي تسكنها أغلبية شيعية مركز لواء أو محافظة في التقسيم الأداري بل مجرد مدينة صغيرة !! أما مظاهرات بغداد والمدن العراقية الكبرى في هذه المناسبة فكانت معروفة  للقاصي والداني، ولم يكن تظاهر العراقيين لأجل الشأن العربي والعالمي العادل تظاهراً فقط بل كان عند الكثير منهم مصحوباً برغبة صادقة للتطوع في العمل المباشر لأجل هذه القضايا حتى وصل متطوعون منهم الى اسبانيا للقتال ضد الفاشست  !!
أما حماسهم للجزائر وفلسطين ولمناصرة هذين الشعبين فكان بلا حدود وقد وصل هذا التضامن الى حد المد الجماهيري الشامل في عهد زعيم العراقيين الراحل عبد الكريم قاسم الذي كان مضرب مثل في النزاهة والشجاعة والتواضع وحب الوطن والشعب !!
ما جناه العراقيون من اخوتهم العرب بعد هذا كله هو الموت المخبوء في الأحزمة الناسفة والقنابل والعبوات المتفجرة التي لم يسلم منها الطفل ولا الأم ولا الشيخ ولا الشاب ولم تعرف الأستثناء عند حدود جامع أو مسجد أو كنيسة ولا عند حرم جامعة أو مكتبة، وكأن العراق مهد الحضارة العربية الأسلامية بعد الحضارة الأنسانية وصاحب مدرستي الكوفة والبصرة في لغة الضاد وبيت الأدب العربي والشعر العربي الكبير والأصيل هو العدو رقم واحد لهذه الأمَّة !!
حتى في الرياضة وكرة القدم فأن عندهم  للتحييز في التحكيم ضد الفريق العراقي مايبرره ولطالما تحيز حكام عرب بوضوح صارخ ضد الفريق العراقي الذي يلعب له منذ سنوات لاعبون عانوا من الحصار أطفالاً فيقطفون ثمار النجاح والتفوق تباعاً ومنها بطولة  قارة آسيا للعام  2007 التي انتزعها شباب العراق من أشداق التنين، لأقرأ في برلين وفي الصفحة الأولى لجريدة المانية بارزة  وفي اللغة الألمانية عنواناً لمقال يقول : أسطورة صيف عراقية !!

كريم الاسدي

كاتب وشاعر عراقي يعيش في برلين

karim.asadi777@yahoo.com

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved