في البصرة أوائل شهر آذار 2016 .. توجهت صوب المدينة .. طرقت الباب عصراً.. إبتهجت حين طالعني وجهها .
ونحن نصعد إلى الفناء وهي تسبقني تذكرتها طفلة في الثالثة من عمرها وهي تسبقنا إعتلاء الدرج المؤدي إلى السطح في بيت جدها وهي تردد : ( سعدوا ودولو علي ) ( إصعدوا وقولوأ يا علي ) عنَّ عليَّ أن أحدثها على ما كان عليه بيت جدها المشرق الكبير، أحسست بإنها تحاول أن تعيد بعض ما كان عليه بيت الجد .. أطواقاً.. أعمدةً وزخارف .
( منى ) المرأة المتعلمة، بلغتها غير الخشنة وحديثها الناعم والمفيد، حدثتني عن سفرتها إلى لندن وقدمت لي هديتها وهو عبارة عن كأس تحوي على شراب ملون غير قابل للإنهراق!. ومع إنعكاس الشمس البعيدة على الزجاج الملون عبرنا
إلى صالة الإستقبال الواسعة .. عاودني الحنين إلى تلك الأيام الخوالي فأظهرتُ إرتباكاً دارته بإنشغالها بزحزحة إحدى المناضد لإفساح المجال للمنضدة الصغيرة وعليها جهاز التسجيل القديم .
في الحال تعرفت على الصوت، كان ذلك صوتي، قلت في نفسي وماذا عن الصور بين الأشجار.. على الشط .. في شرفة القصر، كانت( منى ) مشغولة بالإستماع وبإصغاء مهذب، علقت بعد ذلك:ـ صوتك لم يتغير!. إنها الصدفة التي جئت بها إلى داري .
ـ نصف قرن مضى وأنا أحاول أن أنقل الكلمات .
ـ ذكريات لم تكن بسيطة .
ـ قطعاّ !.
مع وجبة الحساء الذي حضرّته تذكرت جدتها وطعم الحساء
الذي كانت تعده والذي لن أنساه أبداّ.
عبرت الحديقة الصغيرة .. غادرت المنزل .. سلكت الطريق ..
أوقفت التاكسي، رن هاتفي النقّال، وبنبرة صوتها الخفيفة والواضحة :
ـ لقد نسيت أن أطلعك على آلبوم الصور فهو يضم مجموعة من الصور لك مع العائلة، سأتصل بك ثانية.
ـ شكراّ، سأقبل الدعوة وبحماس .
آب/2016