الأبداع والفن والحرية/ لقاء فكري وثقافي في برلين

2016-07-02
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/12f13fc5-a203-486c-bf5b-a5e94dd00424.jpeg
عُقد في اليومين الجمعة والسبت ـ 20 و21 من تشرين الثاني ، نوفمبر 2015 ـ في برلين الملتقى الثقافي الموسع عن الفن والحرية في زمن الرقابة الألكترونية الشاملة واستضافت هذا اللقاء قاعات مؤسسة  (    Heinrich Böll Stiftung  ) المؤسسة القريبة من حزب البيئة الأخضر، وذلك بالتعاون والتنسيق مع عدد من الجامعات والمعاهد الثقافية الألمانية ومشاركة  كتّاب وشعراء وفنانين المان وأوربيين في فعاليات ومحاضرات الملتقى الذي لم يبتعد في كثير من محاوره عن التحليل النقدي لما يجري في عصرنا من محاولة سلطات عالمنا المعاصر السيطرة على العالم بأنسانه ومقدراته واجراء التجارب لترويض احراره ومفكريه وتهميش وأخماد صوت من لايقبل الأنصياع والصمت منهم !!
الأسم الذي عقد تحته الملتقى هو( الفن ابنٌ للحرية )* مأخوذ من عبارة للشاعر الألماني يورجن فوكس . 
فيما كان أحد العناوين الجانبية للملتقى ( أنا لا أصمت ) من قصيدة للشاعر الألماني يورجن فوكس( Jürgen Fuchs ) أيضاً الذي أخذت نصوصه وقصائده حيزاً واسعاً من اللقاء لأهتمامه بالموضوع ذاته، موضوع محاولة السلطات الشمولية التي قد تتمظهر بالديمقراطية لأسكات صوت المثقف والأديب والشاعر الحر !!
في الحوار الذي عقد صحبةَ المحاضرات والقراءات والعروض شاركتُ بمداخلتين احاول ترجمة ما جاء فيهما الى  العربية حيث لغة الحوار في الملتقى كانت الألمانية.
 في حوار أعقب  ندوة عُقدت حول رسالة دكتوراه جامعية قُدِّمت في جامعة روستوك شمال البلاد بعنوان ـ الصعوبات عند ادوارد سنودن ـ  حضرتها البروفسورة المشرفة على الرسالة السيدة  جيسا ماكنتون  (  Gesa Makenthun  ) من قسم الدراسات الأميركية الشمالية والأنجليزية في هذه الجامعة  وزميل لها من نفس الجامعة من قسم العلوم التربوية البروفسور هانز يورغن ونسيرسكي (ـHans-Jürgen von Wensiersky **) وبحضور ومشاركة بعض الأساتذة والأدباء والشعراء والفنانين المشاركين والمدعوين والفنانة الألمانية  أنجيلا ريشتر ( Angela Richter ) التي سبق وان التقت كل من جوليان أسانج وأدوارد سنودن وعملت أفلاما عنهما، أقول في الحوار الذي أعقب هذه الندوة دار الحديث حول الحريات الفردية وحرية الأدب والفن والعلم والبحث والتفكير وحول دور أدوارد سنودن الذي وصفته السيدة البروفسورة ماكنتون في أيضاح للجمهور بأن سنودن لم يكن كاتباً  أو فناناً أو عالماً، حيث كان لي هنا رأي في الموضوع اذ قلت:


( لم يكن من الضروري للسيد سنودن ان يكون كاتباً أوفناناً أو عالماً ... لقد امتلك ماهو أهم من كل ذلك أذ أمتلك  ينبوع الضوء المتمثل في وهج الضمير فرفع صوته وعرّض نفسه للمخاطر والمضايقات والصعوبات في الوقت الذي سكت فيه كتاب وفنانون وعلماء كثيرون، ونفس الشيء سبقه اليه زميله جوليان اسانج. ان ثقافة الأنسان الحقيقية انما تغتني من حيازة الأنسان للضمير الأنساني وانحيازه الى مواقف الحق والعدالة، وبدون هذا لاقيمة للثقافة والدرجة العلمية اذ يصبح اكتساب العلم والثقافة نوعاً من التلقين . ولكن مع اصغاء الأنسان لصوت ضميره وعدم تردده في الأنتصار للمواقف العادلة سيكون فعل اكتساب المعرفة وتطوير الملَكة الثقافية سليماً وصحيحاً ومن الممكن ان يكون ابداعياً ايضاً أو داعماً للعملية الأبداعية للفرد . لفد عرفتُ في العراق، هذا البلد الذي يسير الآن نحو الهاوية، فلاحيين اميين ولكن مستوى الوعي الأنساني لديهم وما يحملونه من الثفافة الأنسانية أكبر بكثير مما يحمله بعض الأساتذة الجامعيين في جامعات أوربا وأميركا!! وقد نجد نفس الأمر في مصر أيضاً، في منطقة الصعيد مثلاً وعند الفلاحيين في القرى المصرية !!
نحن نسمع في خطابات لجورج بوش الأب وجورج بوش الأبن وكذلك أوباما تعبير( العالم المتحضر )  !... يردد هؤلاء هذا التعبير وهم يخاطبون أويقصدون العالم الغربي، وهم بهذا انما يحاولون رشوة الأنسان الغربي بنعته متحضراً ولكنهم في نفس الوقت يغلقون، ومن خلال هذا الوصف نفسه، امكانية استفادة شعوب العالم الغربي من تجارب بقية شعوب الأرض، فالمتحضر سيكتفي بتحضره أو أنه على الأقل لاينظر الى الأستفادة من تجارب شعوب يزعم انها أقل منه تحضراً !! )

حينما انهيتُ حديثي وانتهت الندوة بعد ذلك بقليل لتُعلن فترة استراحة قدمت نحوي الأستاذة البروفسورة ماكنتون طالبة مني بلطف مشاركتها مائدة القهوة ومعبرة عن أعجابها الشديد بتعليقي، تبعها بعد قليل الأستاذ البروفسور وينسيرسكي مُبدياً اهتمامه ورغبته في الحوار ومعرفة المزيد . أوضحت لي الأستاذة ماكنتون انها لم تقل هذا الأمر للتقليل من شأن أدوارد سنودن، فأجبتها باني لم أفهم قولها تقليلاً من شأن سنودن، ولكن مجرد ايضاح هذا الأمر للجمهور يعني ان الجمهور والوعي العام يريد ان يفهمه ، ومن هنا جاء ردي وتعليقي !!

أما الندوة الختامية  في أعمال المهرجان فقد جاءت تحت عنوان ( الفن ـ أبنٌ للحرية  ) وقد ادارها الأعلامي وينفريد ستريتر ( Winfried Sträter  ) من قناة راديو المانيا الثقافي واشترك فيها الفنان المؤلف الموسيقي يوهانس والمان ( Johannes Wallmann ) الذي ساهم في الأعداد للملتقى . هدفت هذه الندوة ان يكون الحوار مفتوحاً بين المحاضرين والجمهور، والمحاضرين والمحاضرين .
وركز الحوار على مواضيع الرقابة الألكترونية  والأنترنت ووسائل التواصل الأجتماعي والأعلام الحديث وحرية الفكر والأدب والفن والثقافة، وقد كان لي التعليق التالي أذ أدليت بالرأي الذي مفاده :

( من الممكن المقارنة بين ظاهرتين، ظاهرة من عصرنا الحديث وهي ظاهرة الرقابة الألكترونية وظاهرة من عصر أقدم وأن كانت مستمرة الى الآن الا وهي ظاهرة الأستعمار . الظاهرتان تنطلقان من مبدأ أو منطلق واحد : أريد ان أتحكم بك، أو أريد ان أسيطر عليك، هذا المنطلق الذي كان على مر الأزمان والحقب التاريخية سبباً للويلات والكوارث والحروب والبؤس . في حالة الأستعمار هناك فعل تحرك واضح على الصعيد المكاني باتجاه المستعمَر، كأن تتحرك الجيوش الى البلد الذي يُراد احتلاله وتدخل فيما بعد في واقع البلد وحياة الناس فيه وتتحكم في أمورهم، مواردهم وحياتهم، أما في ظاهرة الرقابة الألكترونية فالتحكم في الأخر والولوج في عوالمه والدخول الى حياته يحدث عن بعد عن طريق التكنولوجيا، ولكنه شكل جديد من اشكال الأستعمار أدق وأشمل وأخطر أذ لايستهدف بلداً واحداً بعينه بل يستهدف المجتمع الأنساني برمته مثلما يستهدف الحريات الفردية والجمعية لغايات ستراتيجية سياسية وأقتصادية للمستعمِر الجديد، واذا ماقارنا بين الرسالتين، رسالة المستعمِر التي تقول : أريد ان أتحكم بك، ورسالة الفنان التي تقول : لأنني جميل أريد ان أريك الجمال الذي تحتويه ذاتي كي أهديك بهجة التمتع والدهشة والسعادة، يتضح لنا الفارق الهائل بين الرسالتين مثلما يتضح لنا الدور المهم الذي من الممكن ان يلعبه أيجابياً الفن أو ألأدب حتى لو أنطلق من نرجسية جميلة ومدهشة هي نرجسية الفنان أو الأديب، وما أعظم مهمة وواجب الفن والأدب في اعادة تربية النفوس جماليا وترميم ماخرب من أرواح أبناء عصرنا!! ) .

بقي عندي ما أقوله هنا :
في مثل هذه اللقاءات الكبيرة التي تحدث في العاصمة الألمانية وفي متروبول اوربي كبير مثل برلين وتضم وجوهاً من مختلف أقطار أوربا والعالم يحزنني الغياب العربي والعراقي الكبير والفادح على صعيد المؤسسات والمنتديات والسفارات بما فيها الجامعة العربية الموقرة، ولكن على صعيد الأفراد أيضاً، ولطالما وجدتُ نفسي لسنوات طويلة وحيداً بين حشود من كل حدب وصوب . غياب العرب والعراقيين عن اسئلة المصائر وقضايا الوجود لايمكن فهمه الا بوجود مرض مستفحل يجعل من قبول الهوان ذكاء وحكمة، والأنتهازية سلوكاً مشروعاً وقويماً!!
انهم لايحضرون الى لقاءات وندوات لها علاقة بمصير وطنهم وشعبهم في الصميم، ويتركون مهمة الدفاع عن حق أهلهم وبلدانهم ومدنهم في الحياة للغرباء من أهل الرحمة والأنسانية !
أنهم يحضرون فقط اذا أضاء لهم الآمر الأشارة الخضراء، وآمرهم هو عبد مملوك عند السيد الأكبر!!

 ملاحظتان :

أسم الملتقى في اللغة الألمانية هو

Kunst- eine Tochter der Freiheit
 هناك تصرف نسبي في ترجمة العنوان الى العربية حيث الفن في العربية اسم مذكر اما في الألمانية فالفن اسم مؤنث . لذا أتت كلمة ( أبن ) في العربية بدلاً عن كلمة  ( بنت ) في الألمانية ومن الممكن ترجمة العنوان أيضاً ب ( الفنون بنات الحرية ) وعلى الأخص ان تعبير الفن في اللغة الألمانية شامل وطالما عنى أيضاً الأدب والموسيقى أضافة الى الرسم والنحت والمسرح والسينما.

**
في اسم السيد البروفسور وينسرسكي في الألمانية
Hans-Jürgen von Wensiersky
أختفى جزء من الأسم كما يلاحظ القاريء الكريم، هذا الجزء يتمثل في كلمة (  von ) الألمانية، وهي لقب أو مقطع يسبق أسماء عوائل النبلاء الألمان ويمكن تقديره ترجمةً بمقطع آل في اللغة العربية أو حتى مقطع أل، والقاريء الذي لايعرف اللغة الألمانية يعتقد ان هذه الكلمة اسم، وربما تسببت هذه الكلمة في بعض الأشكالات أو الأشتباهات في الترجمة ولاسيما انها ترد في أسماء أدباء وشعراء ألمان مثل جوته وشيلر ونوفاليس ويوسف فون آيشندورف، لذا وجب التنويه .

كريم الاسدي

كاتب وشاعر عراقي يعيش في برلين

karim.asadi777@yahoo.com

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved