توقفت بها سيارة الأجرة، أمام بوابة الفندق الفخم الشهير، توجهت إلى مكتب الإستقبال، للقيام بالإجراءآت الروتينية لاستلام مفتاح الغرفة .. خطر ببالها التجول في أرجاء الفندق .. شهرة فخامته تغنت بها "ركبان العرب" .. العربي العادي لا يسعه سوى الحلم بالتنعم ببهائه وأبهته، الأسعار دائما فوق طاقة العرب، العاربة والمستعربة .. "كلنا في الهم شرق" ، كلنا في الفقر عرب، أسعفها الحظ لتنعم بذلك البهاء، كمبعوثة شبه رسمية للمشاركة في حلقة دراسية، عن المرأة العربية .
فضاءآت فيحاء مرصعة بحدائق عديدة منثورة في كل منعطف.. نباتات متسلقة تكسر بياض الرخام . كراسي وأرائك هنا وهناك .. طاولات، دواليب صغيرة تحدد الأمكنة . كل قطعة تحفة جميلة، على انفراد . المعمار الإسلامي إلى جانب المعمار الأجنبي لم يتم فيهما المزج بل التركيب .. جمال بدون روح .. لا تشعر بأي دفئ .. كتل صماء جاثمة..
صعدت إلى الغرفة لتستريح .. غرفة لا علاقة لها ببهاء الفندق .. مكعب من ثلاثة جدران.. الرابع نافذة زجاجية كبيرة كاتمة.. تكتم الضجيج وتكتم النسيم.. تكتمها ستائر غامقة اللون .. هو ذا البناء الغربي الحديث، لدى البناء العربي الحديث.. بالتأكيد أنه نتاج شركة دولية.. لها تصميمات جاهزة، لكل زمان لكل مكان.. في بلد حار أو بارد، في السلم أو الحرب لا يهم ..
شعرت أنها ستنفجر إن لم تغادر القفص بأقصى سرعة.. هاهي الآن تنزعج من أبهة هذا الفندق ..غرفة في بيتها البسيط تبز فخامة هذه الغرفة .. هنا تشعر بالإختناق بدل الإنفتاح، التعب بدل الراحة.. أين لمسات الشمس؟ أين أطياف النور؟ أين دغدغة الهواء ..
تكوم أعضائها طيلة الرحلة الجوية، يستغيث بحمام ساخن يعيد لها النشاط والحيوية .. ربما جعلها ترى الأشياء بشكل مخالف .. بادرت إلى تنفيذ هذه الحاجة الملحة ..
أحست بالجوع يقرص معدتها .. يجب أن تستعد للنزول إلى قاعة العشاء . جال بخاطرها التساؤل ماذا ستفعل بعد ذلك ؟ فكرت بعد العشاء .. ستعدو إلى الهواء الطلق .. إلى الشوارع الفيحاء.. لن تظل طويلا في تلك الأبهة .. ..الأبهة ليست هي الراحة .. ستتناول العشاء وتطلق عقال ساقيها للتجول في شوارع المدينة، سترى الغروب في الشرق، سيحضنها نسيم المساء وتملأ به رئتيها .
توقفت سبحات خواطرها .. أصطدمت باستحالة المشروع.. خروج المرأة في المساء مشكلة، ليس فحسب فردية بل جماعية، وطنية، بل قومية أيضا .. تدحرجت في ذاكرتها حالات المنع من الخروج، نهاراً أم مساءاً .. اللكمات، الرفسات التي تلقتها الأجسام اللدنة .. ذكورا وإناثا.. حين هبت رياح "التغيير" خصصت للفتيان والنساء .. خروج المرأة إلى الشارع هو طريق إلى الزنى.. المرأة في الشارع، خاصة في المساء، هي طريدة سهلة.. تستحق الإفتراس .
لا تعرف أحداً من أهل البلد ليرافقها.. لو حضرت العضوات الأخريات لوجدت بينهن رفقة.. بعد المسافة عن هذا البلد لا قربها هو الذي أوصلها قبلهن . يجب أن تتخلى عن فكرة الخروج في المساء .. حضرت للإجتماع.. سيجتمعن بحضور الرجل وإشرافه للتداول في قضية المرأة، حريتها وقضايا أخرى .. سيليه اقتراح الحلول .. حلول تحلق عاليا، لكن تظل المرأة في حالة " الحل لا الترحال" .. "الحلول" في عين المكان .. عين الورق.. الورق يطبع.. توزع النسخ .. ترتب في الحقائب لامتطاء الطائرة .. حين تصل إلى الجهة الأخرى توضع على الرفوف.. تظل حالة بها دون أن تحال على أية جهة.. حتى لو أحيلت تظل على رف آخر، إلى أن يتحول لونها إلى الأصفر، ترمى في الزبالة . هذه هي قضية المرأة . هي حالة ليست وقف على المرأة .. ما أكثر الحالات .. القضايا ..
فكرت .. لماذا تظل منسجمة مع هذا المونولوج الداخلي ؟ الجوع صار حالة .. تناولت حقيبة يدها، وغادرت الغرفة- القفص. استقلت المصعد للنزول .
عدة مطاعم موجودة في هذا الفندق الفخم.. شرقية، غربية ،هجينة.. جذبتها الموسيقى الحالمة المنبعثة من أحدها.. اختارت مكانا بالقرب من العازفين..قطع موسيقية ذكرتها بأيام دراستها.. ألقت بجسمها على الكرسي في انتظار النادل مستمتعة بالموسيقى .. دارت بعينيها لترى الزبائن، بتلقائية ثم تناولت ورقة المطعم لتختار عشاءها، ثم أخذت تنظر إلى العازفين .. امرأة وحيدة يجب أن تحترس .. ترى ولا ترى .. أن تتلافى تلاقي النظرات .. أن لا تحدق .. أن تخفض عينيها حياء.. أن لا تنظر في عين الآخر ..الرجل... التقاء النظرات قد تليه سلوكات أخرى، بل قد تعقبه مخاطر.. ولأن اللسان "معقود" فلتتكلم العيون أو تسدل الجفون . التقاء النظرات يعني دون مواربة "تفضل" .
تذكرت.. في بداية حياة عملها، كانت تظل تحدق في وجه رئيسها، حين يلقي تعليماته، حتى تستوعب جيداً ما يأمرها به . فاجأها ذات مرة بعد أن انتهى بقوله :
- عيناك جميلتان جداً
ردت دون وجل أو تردد .."أشكرك"
انتفض مستغربا :
- " كيف ؟ أشكرك ؟"
- "ماذا تريدين أن أفعل" ؟
ابتسم ورد قائلا :
- اخفضي عينيك حياءاً، أو دلالاً مثل سائر النساء .
وأجابت بسرعة :
-لا أعرف لا أستطيع .
-تعلمي
أجابت :
-أجلت نظري وأنعمت النظر، فلم أجد ما يستحق التعلم، خاصة في هذا الشأن .
انفجر ضاحكا. أعجبه الجواب.. بالتأكيد لم يسمع مثله من قبل. . تناولت طعام العشاء في رتابة، غادرت المطعم، لن تصعد إلى الغرفة مباشرة هربا من الإختناق .
اتجهت إلى إحدى الأرائك المتناثرة في بهو الفندق، جلست . الجلوس وحيدة سيلفت إليها الأنظار، خاصة وأنه لم يكن هناك كثير من الزبائن . لا يحق للمرأة في وطنها أن تكون وحيدة . لا يكفي أن تكون لها بطاقة هوية رسمية . هي مشبوهة دائما بشيء ما .
ذهبت إلى مكتب الإستقبال وطلبت شيئا تنشغل في قراءته وهي جالسة في البهو . لم يكن لديهم سوى ملصقات " السياحة" . أخذت بعضها وجلست تتفحصها .. بعد برهة جلس بالقرب منها شاب يحييها قبل أن يستكين في مكانه .. بادلته التحية غمرها بالأسئلة المعهودة . سألها :
-هل ترغبين في مشاركتي في تناول كأس في حان الفندق ؟
- لا، ألف شكر . معذرة
- هيا نذهب إلى المرقص إذن .
- لا ألف شكر .
لم تكن لديها رغبة في الكلام معه.. القصة معروفة مقدما ..
كان يركن إلى السكون ثم يعاود الكرة .. قالت له :
- لا تزعجني من فضلك، أليس لك صديقة من سنك، تؤنسك وتملأ وحدتك ؟
-من سني ؟ أنت من سني . لم تتكلمين عن السن ؟ أنت سيدة جميلة، شابة . أنا معجب بك..
أخذت تتفرس في وجهه وتفكر :"نعم" من سنك ربما ما زالت تحت وصية الأهل .
اعتقدت أن التنبيه إلى السن سيجعله ينسحب عنها . المهم أن هنا امرأة . الجلسة تحلو في حضور الإناث، في حضور جواري .. معهن يتذكر الرجل رجولته، أو يستعيد فحولته، فعلا أو تخيلا . بادرته بالسؤال :
-ماذا تفعل هنا ؟ ألا تسكن في هذه المدينة ؟
- بلى، أنا مكلف بالمراقبة الأمنية داخل الفندق، وانتهيت من عملي الآن، وأرغب في أن أروح عن نفسي عناء العمل..
كانت تتأمله وهو يجيبها، وتفكر، ما أدراه أنها ترغب في مؤانسته ومجالسته في هذه اللحظة ؟
كثيرا ما تعرضت للشتائم حين تلقي بهذا الجواب : "من قال لك أنني أبادلك نفس الإعجاب ؟
المبادلة غير واردة دائما.. أنا رجل.. أنا الصائد .. أنا الفاعل واسم الفاعل.. امرأة وحيدة معناها أنها في عطالة، تنتظر من سيردفها خلفه على " صهوة جواده"، أو يحملها بين ذراعيه أو يسحبها من ذراعيها كالشاة إلى المذبحة.. المرأة تلعب نفس اللعبة حين تتاح لها فرصة الإفلات و الإنفلات .. كل رجل هو مصدر لشيء ما، لمتعة ما، متعة كاملة أو ذرة منها.. اللذة - النقود.. معادلة صعبة تسري في كل المجتمعات..
نهضت منتفضة لتلوذ بالمصعد . تختلف الحضارات.. حصار جدران حجرة أم حصار أفكار..
استقلت المصعد .. صعد معها رجلان ألقت عليهما نظرة سريعة واحد بلباس البلد التقليدي، والآخر بلباس أوربي . أطرقت برأسها تتفرس أرضية المصعد.. لن تدخل في لعبة الأعين . نزل الرجل الثاني في الدور السابق لدور غرفتها . توقف المصعد . نزل في نفس الآن الرجل الأول لا ذو اللباس التقليدي . اتجهت إلى الممر الذي توجد به غرفتها.. واتجه هو إلى الناحية المقابلة . توقف لاحظت أنه يريد أن يقول لها شيئا.. باغتهما صوت الرجل الذي نزل قبلهما . اختفى الأول مسرعا الخطى، أما هي فظلت واقفة في مكانها، أوقفها صوته : -لحظة يا سيدة" .
استدارت فوجدته يتجه نحوها ملوحا ببطاقته المهنية قائلا : "الشرطة"-
- نعم ماذا تأمر ؟
ماذا كان يقول لك ذلك الشاب ؟
-أي شاب ؟
نسيت أنه منذ لحظة كان شاب يعرض عليها الأنس والمسرة ؟ ظلت تخاطب نفسها، فنسيت وجوده بسرعة..
- الشاب الذي كان جالسا بجانبك في الصالون ويحادثك . ماذا قال لك ؟
- استدعاني لتناول شيء ما في المقهى واعتذرت له .
- لاحظت أنه حادثك وقتا طويلا، ماذا كان يقول ؟
استغربت . لماذا لا يوجه السؤال إلى الشاب ويعفيها من هذه المهمة، شرطي يحادثها وشرطي آخر يراقبهما .. الشرطة تراقب الشرطة.. أجابته وهي تتجه إلى حجرتها وهو يتبعها :
- معذرة لم أفهم ماذا كان يقول.. لا أفهم جيدا اللغة.. اللهجة المحلية
- تفضلي إلى غرفتك.. أود الحديث معك..
كاد أن يطير صوابها .. ماذا تريد الشرطة في غرفتها ؟ أجابته :
- ألست من الشرطة ؟ لنتفضل إلى مكتب الشرطة لا إلى الغرفة . أليس كذلك ؟
- تعم ، نعم، تفضلي.. لننزل..
استعادت هدوءها . لم يخامرها أي خوف . لابد أنه إجراء عادي تجاه نزلاء "فندق ضخم" . الشرطة تجول في كل مكان.. تصل إلى الغرف حرصا على الأمن . لم يصدر عنها أي سلوك يخالف القانون، أو العرف .. لم تكن في حاجة إلى هذه المراجعة . لكن ما الحيلة، البلد في حرب، فلا بد من أخذ كل الإحتياطات .
عادا إلى المصعد. داس على زر، الدور الأرضي . استرقت إليه النظر، لاحظت أن عضلات وجهه تختلج، أنفاسه تتلاحق تبث فحيحا . من المفروض أن تصاب هي بالرعشة والهلع هي المساقة وهو السائق . لم يحدث أن قابلت في حياتها شرطة من هذا النوع . عاودت النظر إليه بسرعة، جثة يعتريها هيجان داخلي يحاول إلجامه، كتمه . ركام من الأفعال المنعكسة، لا يستطيع إخفاءها أو إيقافها .. أثارت حالته فيها الفضول. ستغرف لماذا ترتعش هذه الشرطة ؟
وصلا إلى الدور الأرضي، سبقها بالخروج قائلا :
- تفضلي .
إلى أين ستتفضل ؟ ما عليها سوى الإحتماء بالصبر والطاعة.. أوامر الشرطة في "فندق فخم" تبعته .. لاحظت أنه يتوجه إلى بار[1] ؟ تساءلت هل اخفي مكتب الشرطة خلف البار ؟
تجرأت وسألته :
- أين مكتب الشرطة ؟
- لا تستعجلي . إني اشعر بعطش شديد، سنجلس في البار.
المفروض أن يجف ريقها هي لا هو .. هي مستدعاة من طرف شرطة من نوع خاص..هل فخامة الفندق تلزم إجراء التحقيقات الأولية في "البار" ؟ حاولت إحراجه :
- هل ستحقق معي في البار؟
لم يرد عليها :
اتجه إلى إحدى الموائد مشيرا لها بالجلوس .
سألها :
-ماذا تودين أن تشربي؟
أجابته في اندهاش :
- أشرب ؟ . أخبرني أولا بموضوع التحقيق إذا سمحت ؟
- اسمعي لدي كلمتان أريد أن أقولهما لك . أنا لدي سيارة هي ملكي، لدي نقود كثيرة . سآخذك غدا، صباحا، إلى محلات المدينة لاشتري لك ما تشائين .. أود أجعل إقامتك هنا مريحة . قاطعته :
- ألف شكر يا سيدي . لست في حاجة إلى شيء .
- لم جئت بي إلى البار؟ ما علاقة هذا بموضوع، بالتحقيق ؟
- لا تقاطعيني .. ليس هناك تحقيق .. لا تفهمي غلط . أنا أعمل منذ سنتين في هذا الفندق .. تأتي إلى هنا فرق فنية من جميع أنحاء العالم، فيها نساء في منتهى الجمال، لم يحدث أن اقتربت من أية واحدة منهن . لدي الحرية والسلطة لأفعل ما أريد، لأنال منهن ما أريد، لكنني رجل شهم غيور، لا أحب الأجنبيات . أنت عربية، يبدو عليك أنك سيدة فاضلة . لقد راقبتك حين كنت جالسة تتحدثين مع شاب . أنا مستعد لألبي رغباتك.. بشرط أن يظل هذا سراً بيننا..
صعقها العرض. هذا هو الموضوع.. سيل كلمات يلفظها شدقاه يلمعان عرقا.. كيس محشو بالتبن يلبس بذلة . كتلة لحمية مكسوة بالشحم، تسحب كبت السنوات لا ليال. عينان لا تستقران في محجريهما من كثرة التحديق والحملقة..
ظلت تستمع إليه دون أن تنصت . تسمع هدير غليان دمها في عروقها . متى أصبحت كلمة "شرطة" سلاحا في الإغراء . أداة في الغزل.. أين الغزل العربي، ألم يولد غزل جيد ؟ تقلصت الحضارة العربية، فتقلصت العواطف العربية .
قيل أن الصحوة العربي أرست أوتادها . صحا العربي فلم يجد أمامه سوى كلمة "شرطة" .
أوحى له سكوتها بالرضى .. انتبهت إليه ثانية وجدته يقول :
-لا شك أنك لا ترقصين .. لم تجذبني أية امرأة أجنبية- إلا آنت- .. ماذا تريدين ؟ حلقات أسورة ؟
ظل يهذي أمامها وهي تهذي داخلها.. الشرطة تحمي أو تعتدي . أنا شرطي أتبعيني إلى القسم أو إلى الغرفة .. المكان لا معنى له .. ما يتم في الأول يتم في الثاني .. حب من نوع آخر..
شحذت فكرها بسرعة .. كيف ستتخلص من هذا الكابوس دون أن تثير شراسته، دون أن تجرح ذكورته لا كرامته . لا يعرف ما هي الكرامة دون ان يلصق بها تهمة .. .
نهضت في حزم وقالت له بأدب :
- شكراً يا حضرة الشرطة . أقدر إعجابك، لا يسعني سوى الشكر والإمتنان، أنا امرأة فاضلة كما قلت . استسمحك وأتمنى لك أمسية سعيدة .
لم تنتظر أي رد فعل، بل انطلقت مهرولة نحو المصعد لتلوذ بغرفتها .. لتراجع ملف -قضية المرأة، التي ستتحدث عنها في الإجتماع . في المصعد طرأت عليها فكرة، ستذهب إلى المرقص لتختلط بالناس تلافيا له، هي متأكدة أنه سيواصل ملاحقتها إلى غرفتها . سعدت بالفكرة، داست على زر آخر، حيث يوجد المرقص .. ستتمتع بالموسيقى والرقص حتى تنسى هذه الحادثة .
خاب أملها. لم تجد سوى العمال يضعون اللمسات الأخيرة في المرقص . لم تبدأ السهرة بعد . لن تخاطر بنفسها وتعود إلى بهو الفندق . ستعود إلى غرفتها .. شرطي في أعقابها، لا مجرم عتيد . ما أن وضعت يدها على أكرة باب الغرفة، حتى وجدته قادما إليها حانقا متشنجا وهو يقول متضرعا :
- لماذا ترفضين ؟ هاهي النقود، خذي ما شئت .. جذب حفنة نقود من جيب سترته.. سأموت من الغم إن لم أقض معك سويعات معدودة . دعيني أدخل إلى غرفتك..أرجوك، أرجوك ..
لم تفتح الغرفة ظلت واقفة مشدوهة . كيف يستكين الأمن بين يدي شخص كهذا .. غليظ القفاة والمخ . كيف ستوقف هذه المسرحية ؟ ليكن ما يكون ..واجهته .
-اسمع يا سيد. لقد تجاوزت كل الحدود، سأرفع الأمر إلى رؤسائك إن لم تبتعد عني .أنا ضيفة على البلد، سأتصل بسفارة بلدي وأخبرها لتنقلني من هنا..
قفز من مكانه، صحا من غيبوبته، تجهم ولبس لباس الجد والمسؤولية، كشر عن أنيابه، لم يعد يستعطف بل أخذ يهدد ماسكا بعنف معصمها :
اسمعي، إياك أن تحكي لأحد عن ما حدث . ثم إياك، إياك أن تحكي شيئا، سيئا عن بلدي، شيئا يخدش سمعته، ستندمين..
ترك يدها، وانثنى عائدا إلى المصعد..
غمرتها الدهشة .. أخيرا انسحب، غاب عن نظرها ..
كادت تنفجر ضحكا . كلب "بافلوف" .. سمع كلمة - رؤساء، كلمة - سفارة . فتذكر دوره و سمعة بلده.. يحمي البلد ولا يحمي نفسه .
تنفست الصعداء. ستخلد إلى الراحة أخيرا . هدأت الزوبعة .. دخلت إلى غرفتها واستلقت على السرير في انتظار بداية السهرة . تذكرت موضوع الإجتماع حول - قضية المرأة.. أية قضية هي ؟ أية امرأة ؟ وأي رجل ؟
ابتلعها السرير، سحبها إلى نوم عميق كانت في أمس الحاجة له لا إلى السهرة .
الرباط أغسطس 1989