اللباني، القرية ذات الثلاثين بيتاً، أغلبها من الطين، سكانها من الفلاحين إلا ما ندر.
شارعها الترابي وحيد وصامت، نادراً ما يكسر صمته مرور سيارة.. حركة بغال بائع الملح.. خطوات ( أبي العتيق ) متوقفاً أمام ،الأبواب منادياً: مًنْ عنده كواني للبيع..صفر عتيك للبيع، يحدث ذلك خلال مفاصل النهار، أما ليلها فساكن قد تغيره حركة غير محسوبة أو صراخ من هنا وهناك .
بعد مواسم قطف التمور، إعتادت القرية أن ترى ذلك البدوي وجمله بصوته الوعر، عارضاً بضاعته من بخور وعلوك ومتوت وأقط 1
مقابل حفنة من تمر أو خضار طازجة .
( سالمين، وغميض ) يتناوبان في المجيء للقرية صباحاً أو بعد الظهر فالشمس حارقة ويتحاشيا وجودها في كبد السما، يركن كل منهما دراجته، بحملها، في ظل خص أو حائط قديم مروجاً لبضاعته باللازمة المعتادة: ليدي ستيك عالكهرباء، قد تذوب البضاعة ولا تحميها برودة (الثرموس) فنشتريها بنصف السعر.
( الغجرية ) حاملة الألغاز.. العرافة والتي تعلن عن طبقات الأسماء، وتعرفك بأسرار حياتك حين ترمي بقواقعها المثقبة والقديمة، قد تلجأ إليها النسوة لتثبيت سناً لامعاً من الذهب أو تمد أصابعها المتسخة في فم أحدهم فيجأر أو قد يتقيأ بعد أن تخرج له سنه التالفة مقابل بيضات دجاج طازجة .
( حمود ) الأعمى، والذي ينام قيلولته في ظل شجرة السدر، منتظراً ما يجود به أحدهم عليه من مأكل اوملبس .
( يوسف خبالو) الذي يحسن الرقص حافياً ويكسر صمت الليل بقرقعة أصابعه، ترددهما على القرية في الوقت نفسه من كل عام كان مثار شك لدى البعض في حين لا يتوانى البعض الآخر من الترحيب بهما وإكرامهما.
وأخيراً فقرية اللباني التي إحتضنت مشروع إسالة ماء قضاء أبي الخصيب والذي يغذي مركز القضاء وبعض قصباته بالماء الصالح للشرب، لم يصلها هذا الماء إلا بعد عشرين عاماً من إنشاء المشروع، وقتها تكرمت بلدية القضاء على أهل القرية بحنفية سبيل، إختلف الناس، بل تعاركوا على مكانها، وفي النهاية تنازل أهل الشمال والوسط، فأّلقت الحنفية مرساتها في الجنوب مقابل بيتنا .
رصدت دائرة البلدية مبلغاً وزِع على جيوب موظفيها وطلبتْ من العبد الفقير( أسطه بدر) بناء حوضاً يليق بحنفية السبيل والذي ظل لسنوات يشهد كرنفالاً يومياً منذ بزوغ الفجر حتى ساعة متأخرة من الليل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ المتوت سمك صغير يابس والأقط حليب الناقة المجفف.