المطربة الشابة ( بلقيس أحمد فتحي ) وهي تنطق بكلماتها المنقوشة على حنجرتها الخضراء كانت مفتونة بجدها والصورة التي كان عليها وهو يعد العدة للسفر( خميس ) كل نهاية شهر إلى ( القاهرة ) لمعانقة الصوت العزيز والذي يتوق لسماعه الجميع من المحيط إلى الخليج .
لقد ذكرتني برجلين وامرأة من البصرة،( عبد الجبار الأمير وعبد الحميد الهارون والست الفاضلة أمل عبد المجيد الشيخ خزعل ) .
عبدالجبار الرجل الهادئ والمحب لكل ماهو قديم بدأ بالأزياء وإنتهاء بالموسيقى والغناء،أرَّخَ لحفلات ( الست ) وحفظ القديم من أغانيها على ظهر قلب، وواظب على حضور حفلاتها الشهرية وأصر على الظهور في القاعة .
أما حميد عازف العود ومطرب القضاء فبنبرة صوته المتموجة وأوتار عوده المشدودة يتذكر مجايله ليالي البساتين أو جلوسه في ( الأرسي ) حيث الإطلالة على النهر من دون إزعاج القادمين فجرا لمسجد القرية المجاور.
الست الرائعة أمل قد تحدثت عن زيارتها للقاهرة وحضورها حفلة الست وإحتفاظها بمدالية ( أم كلثوم ) مع إسطوانةأ خاصة لأغنية ( أمل حياتي ) وكذلك سفرتها بعد ذلك وزيارتها لقبر الست، كان ذلك في الزورق البخاري الصاعد بها وزميلاتها إلى العشار بعد قضاء يوم في محولة محمد ناجي البكر، ومع حركة المد طلبت إحداهن من صاحب ( الماطور) غازي إيقاف المحرك ليعم الهدوء ويرتفع صوت الغناء لصوت واسع التموجات عزيز على القلب يحاكي خبايا النفوس بالكلام المهذب وكان ( القلب يعشق كل جميل ) .
ثمة شخصان إعتليا سقف ( الماطور) وإستقرا هناك لا يلمحان سوى يد إحداهن ممدودة تحمل صحن مكسرات أو قدح ليمون أو زجاجة بيبسي وهما يتنفسان هواءا نظيفا ويتحدثان عن أشيائهما الجميلة ويستمعان إلى الغناء المنبعث من داخل ( الماطور) .
كان ذلك قبل أن تحترق المدينة وينعب في بساتينها الغربان!!.