يعتقد البعض خاصة من المثقفين والنخب العلمية، أن موجة تسطيح المرأة أو محاولة التقليل من شأنها قد تلاشت، وأنها إذا وجدت فإنها محصورة ولا تجد القبول، مثلما كان في السابق، وهم يستدلون بالأنظمة والقوانين التى سنت لمنح المرأة حقوقها.
البعض من هؤلاء ينظرون إلى حقوق المرأة فى العمل، والتنقل، والاستقلال ، والإرادة، على أنها هبات منحت لها، بل إن البعض يعتبر أن هذه الحقوق قد أضرت بالمرأة وبوضعها في المجتمع، حيث زادت على كاهلها الأعباء والمسؤوليات التى كانت مناطة بالرجل، مثل تحمل المسؤولية المادية تجاه الأطفال والزوجة والبيت، وبالتالي فإن خروج المرأة للعمل جعلها شريكة مع الرجل في مثل هذه المسؤوليات.
إن أصحاب هذا القول الذي نسمعه بين وقت وآخر وبطريقة أو أخرى، منفصلون عن الواقع تماماً، أو أنهم ينظرون للمجتمع البشري وكأنه ملائکي، أو كأننا نعيش في جزر معزولة عن الواقع، فلا نسمع ولا نشاهد كل هذا الواقع أو حتى جزءاً منه، بل إنه لا يمكن للواقع أن ينطبق وينفذ، فهؤلاء يريدون من المرأة أن تكون كالنعامة تضع رأسها في التراب، وحسب.
ويمكن معرفة كيف ينظر أصحاب هذه المثالية، عندما تسرد أمامهم جملة من الكلمات التي تقال ضد المرأة، وما هو تفسيرهم لها، وستجدهم ببساطة يضحكون ثم يقولون إنها أقوال عابرة لا أساس لها من الصحة أو الواقع، مثل مقولة: «لا تكفّ المرأة عن الكلام إلا لتبكي»، ومقولة: « ما لا يقدر عليه الشيطان تقدر عليه المرأة»، وتلك المقولة التي تحمل الظلم بمعناه الحقيقي: «عندما تفكّر المرأة بعقلها فإنّها تفكّر في الأذى»، ومقولة أخرى تتنافى مع قيمنا، تقول: «من له بیت هادئ لیس له زوجة».
وهناك سيل جارف من مثل هذه الكلمات التي يتم تداولها، وتنتشر على شبكة الإنترنت، لدرجة وجود صفحات عناوينها: أقوال عن المرأة، تقلل جميعها من قدرها وتحط من مكانتها، وقد تورط في هذه الدوامة مثقفون على درجة عالية من الشهرة منذ حقب زمنية بعيدة وحتى عصرنا الحاضر، وقرأنا قصائد وقصصاً وأمثالاً تدور جميعها حول المرأة، وكونها أقل من الرجل.
إن مثل هذا الموروث، المسمى أمثالاً أو أشعاراً لا مبرر لترديده في عصرنا الراهن، خاصة أن لا أحد منا يقبل إسقاط مثل هذه المقولات على أمه أو على ابنته أو على زوجته أو شقيقته، فلماذا يتم الرضا بمثل هذه الأقوال ونشرها والاحتفاء بها؟ أليست موجهة أيضاً لأقرب الناس لنا؟!
لا يمكن إطلاقاً أن نعتبر منح المرأة حقاً من حقوقها البدهية على أنه منحة، أو شيء يدعو للاحتفاء، وكأن الرجل قد تنازل عن شيء ثمين لمصلحة المرأة، لأن حقوق المساواة والعدالة بدهية ولا تنفصل عن تقدم البشرية ورقيها، ولن نجد أمة من أمم الأرض قد تطورت وباتت قوية، وهي تسطح مكوناً أساسياً ورئيسياً في المجتمع وتتجنى عليه وهو النساء !
وإذا كان أي منا يدعي أنه مثقف وقارئ، فلا بد أنه اطلع على إرث عظيم من كفاح مرير للمرأة من أجل العدالة، ونيل حريتها، في أمور بدهية إنسانية، كفلها الله لها من فوق سبع سماوات.