في الفترة بي
ن 350 و450 ميلادية، عاشت امرأة تحدياً حقيقياً تمثل في أن تكون متعلمة في عالم يسوده التخلف، لكنها قاومتهم برسالتها العلمية ومبادئ العلماء، وفي نهاية المطاف لقيت مصرعها على أيدي هؤلاء الغوغاء، إنها الفيلسوفة هيباتيا السكندرية، التي تعد أول امرأة في التاريخ يلمع اسمها كعالمة رياضيات، إضافة لنبوغها في الفلسفة وعلم الفلك.
في تلك الحقبة الغابرة من الزمن لم يكن متقبلاً وجود امرأة لها حضور في المجتمع، وتقدم اكتشافات وآراء علمية، لكنها لم تلتفت لكل ذلك، كما أنها لم تستسلم للأمور التي كانت تأتيها من الكنيسة التي كانت ترفض تميزها وحضورها الاجتماعي، خاصة مع تزايد محبيها وتلامذتها بل وتأثيرها حتى في العلماء أنفسهم، وهناك إرث علمي لها جعل العلماء والدارسين يتفقون على نبوغها وتميزها، لكن في عصرنا الراهن نجد من بين ثنايا إرثها العلمي ومقولاتها ما يمس حياتنا وله أثر وفعالية، مثل مقولتها: " الخرافات يجب أن تُدَرَّس كخرافات، الأساطير كأساطير، المعجزات كخيالات شعرية، تقديم الخرافات على أنها حقائق هو شيء فظيع، لأن عقل الطفل يقبلها ويصدقها وفقط بعد ألم عظيم وربما مأساة يمكنه أن يتخلص منها ". وببساطة متناهية هي تقول مثل هذه الكلمات في زمن الخرافات وانتشار الجهل، ففي ذلكم الوقت كانت مساحة العقل والعلوم ضئيلة جداً ومحدودة جداً، مجتمع بدائي يقوم على القسوة والعنف والكراهية وإلغاء الآخر، فكيف يستمع لمثل هذه الآراء القيمة العظيمة ؟!.
وهذا ما حدث في نهاية المطاف، فقد ضاق بعلمها الواسع الجهلة والغوغاء، ولأنها عاشت في عصر تكتنفه الفوضى وسيطرة واضحة للكنيسة ومحاولاتها لإلغاء أي صوت آخر، ورفضها للعلوم والمخترعات، تم اتهامها بممارسة السحر والإلحاد، وهذه التهم الموجهة ضدها سببت حالة من الغليان بين حشود من الناس الجهلة فقاموا بالهجوم عليها أثناء عودتها إلى منزلها بعد تقديمها أحد دروسها العلمية، وتم جرها في شوارع المدينة، وطعنت في أجزاء متفرقة من جسدها، وبعد أن فارقت الحياة تم إحراق جسدها .
كثير من العلماء في ذلكم العصر نعوها وحتى هذا العصر يوجد من كتب عنها وعن سيرتها وتم اعتبارها أول شهيدة من أجل العلم، تقول عنها العالمة كاثلين وايلدر: " يعتبر مقتل هيباتيا نهاية للعصر الكلاسيكي القديم"، أما الناقد والفيلسوف ستيفن غرينبلات، فقد قال عن حادثة اغتيالها: " إن مقتلها أثر بشدة في انحدار الحياة الفكرية السكندرية ".
ولكم أن تعلموا أن معظم أعمالها تمت بالمشاركة مع والدها ثيون الكنسدروس، الذي كان أستاذاً للرياضيات في جامعة الإسكندرية والسبب يعود لعدم وجود أعمال أنثوية منفردة للنساء في تلك العصور القديمة، ورغم هذا قدمت منجزات علمية مهمة في مجال العلوم منها قيامها بعمل رسم الأجرام السماوية، واختراعها مقياس ثقل السائل النوعي والذي سمي بالهيدرومتر، وغيرهما كثير.
لكن من أين كان مصدر التهم الموجه لها والتي سببت كل هذا العداء؟ سنجد أن مصدرها كان أحد رجال الدين ويسمى سيرل، وسبب عداوته لأنه كان يدعوا لبقاء النساء في منازلهن، فهو يرى أنه ليس لهن أي حق في العمل، بل يرفض الاستماع لآراء أي امرأة.
وفي هذا عبرة لنا في عالمنا المعاصر، أتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت بشكل واضح لنا جميعاً.