الوكيل الخائن

2019-02-01
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/a04726fb-81e2-4233-9a03-7443ee6effc1.jpeg
جمع الملك عبيده وكانوا لا يرونه اذ كان قد احتجب بالنور الذي كتب به اسمه على لوح عظيم يخترق هواء الساحة التي جمع فيها العبيد ويتعداه ٠ كان احدهم يتمنى الرئاسة فيهم ويدعو الملك الى تكليفه فخرج في اللوح تكليفه بالاشتغال بشؤونهم العامة ان اختاروه، وكتب له على ذلك اللوح ان يتولى امرهم برضاهم وان يتركه ان اختاروا غيره وان يظل تابعا للملك عارفا قدره مع عبيد الملك ووعده على اللوح بجمع العبيد على ولايته مادام معترفا بمملوكيته ومملوكية العبيد كلهم للملك، وامره ان يجعل شعاره على رايته ونقوده ولأمات جنوده انه مملوك ملك العبيد ومتولي مصالح المماليك . علمه وجعل له قوة على ذلك وسماه وكيل المماليك . لم يكن الملك عاجزا ولكنه احب ان ينظر الى كيفية تصرف عبده المكلف وعبيده الآخرين. كان يعلم ما يكون منه وكان يقول له بضوء يصدر عن اللوح ويحل في قلبه :
- ان تركت لك عبيدى، في الظاهر، تحت ولايتك، كما سألتني، فستنكرنى وتدعى الملك عليهم وستنازعنى ما املك وستدعوهم الى الاستقلال عن سلطانى الى سلطانك . لكن سآمرهم ان يختاروك وسأجربك٠ لن اكون غائبا وان غيبت هذا اللوح الذي يقرأ فيه عبيدي اوامري فينضبطون بها٠ ساتخذ وسيلة اخرى غير هذا اللوح النوري وسانتقم منك ومن اتباعك ان ادعت كذبا واغترارا وفسقا انك الملك وسافنيك واهلكك٠ انا الملك ولا ملك غيري فلا تنس هذا ٠ اياك وأن ترجو عزلي فسأعزلك من الكون انت ومن يتبعك ان فعلت وفعلوا٠
كان وكيل المماليك يجيبه في قلبه :
 
- كلا . ساحفظ عهدك ولن يكون منى الا ما يسرك ولن انقلب عليك ابدا . انت السيد الملك المطاع . كلنا عبيدك . جربنى واجعل فى نفوس عبيدك الآخرين ان يختارونى للحكم وسترى .
 
قال له الملك:
 
- اننى ارى منذ الآن وقبل هذا الوقت واعلم انك لن تصبر على الالتزام بالحق وان خيالك سيدفعك الى الكوارث والى ان تحب ان تاخذ مكانتى وستهلك بذلك٠
 
كان الملك يريد من اختيار وكيل من مماليكه لعبيده ان يعلمهم انهم ناقصون وان الخيانة تجرى فى دمائهم وانه يسامح من خان وتاب . كان وكيل المماليك اشدهم اظهارا للاخلاص وابطانا له، وكان يظن ان اخلاصه لا يصيبه المرض ولا التغير والفساد، وكان اصحابه من العبيد الآخرين مجمعين على الاعتراف له بالتقدم فى الاخلاص والوفاء لملكه ٠لذلك سالوه ان يجعله عليهم وكيلا لهم في شؤونهم، وكان الملك يعرف ذلك منهم لانه هو الذي اوعز به لهم ٠
 
كان الملك قد صنع لعبيده دارا فسيحة طولها وعرضها سنوات واشهر ضوئية وكان قد جمعهم فى جانب منها وجعل على جبهة كل فرد منهم علامة تشير الى اسم المالك اي الى اسم الملك نفسه، وجعل تلك العلامة ايضا فى ايديهم وارجلهم وكل جهة بينة او خفية من اجسامهم . لم يكن من شك فى وضعهم القانونى لكل من ينظر اليهم ، وكانوا جميعا ينظر بعضهم لبعض ويتذكرون بالنظر الى اطراف اجسامهم وما فيها من اسماء للملك حقيقة مالكهم ملك المماليك وملك وكيل المماليك .
 
كان الملك عالما فاضلا . علم عبيده فنونا من الصناعات بواسطة تلك الاسماء وكان من جملة ذلك فن الحكم والقانون . كان يرسل اليهم اضواء لا ترى وتدخل اليهم بتلك الواسطة فيفهمون عنه، وبتلك الاضواء علمهم فنونهم وعلم وكيلهم وعلمهم فن القانون .

تولى الوكيل الحكم . اختاره اترابه بعد ان علمه سيده واوصاه . اول شيء فعله بمجرد توليه السلطة ابطال القانون الذي تعلموه من الملك ثم اعلان ملكه وانه الملك السيد المطاع بالرضى او بالسيف ومطالبته العبيد الآخرين بان يتخذوه ملكا فى اقليمهم . رد عليه بعضهم بان الملك جعله وكيلا بقانونه الذى يعرفونه جميعا لا ملكا متصرفا بهواه، وانه ليس الا وكيلا لهم وان الملك عينه بعد ان اختاروه لا قبل ذلك فاخذهم اخذا وبيلا، وامر برؤوسهم فقطعت ثم علقت على اسوار مدن البلد، واعلن ان لا ملك الا هو وانكر سلطان الملك وسخر منه ومن قانونه . استعبد وكيل العبيد اخوانه ونشر صوره فى المدن وامر عماله بتعليم الناس الوقوف عند تماثيله فى الميادين واظهار الطاعة له بتقبيل يد التمثال والانحناء الى الارض . اشتد على الناس الغم واحاط بهم شبح الجوع وكان قد مر عليهم سنون من القحط ونقص فى الاموال والثمرات فاستبد وكيل العبيد بالطعام والشراب، ما وجد منهما ، ولم يأبه بحال الناس، وقتل كثيرون بذلك الجوع وما يتبعه من امراض وعلل . انتظر الناس جوابا انتقاميا سريعا من ملكهم ولم يصل ذلك الجواب في الأجل الذي تخيلوه . رأوا وكيلهم لا تصيبه مخمصة ولا جوع ولا مرض ولا نائبة من نوائب الدهر ولا عقاب . وازداد الامر سوءا حين نشر وكيل العبيد، وكيل المماليك كما سماه الملك، قوالين يبثون فى الناس عقيدة موجزها ان الملك لا اعتراض له على افعاله وانه تنازل له عن الملك وعزل نفسه، ونشر قوالين آخرين يزعمون للناس ان الملك مات وانه اوصى له بالملك، ونشر قوالين آخرين يدعون في الناس ان الملك مريض وانه انابه في الملك بصفة ملك تام الملك، ونشر قوالين آخرين يقولون كلاما مشتقا من ذلك .
 
اضطرب الناس، ومن لم يصدق القوال الاول صدق غيره من القوالين، واتبعت الاغلبية من الناس عقيدة وسطا هي عجز الملك وانعامه بالملك على الوكيل، وقال كثير من الناس :
 
- لو كان الملك معترضا على ادعاء وكيل العبيد لاظهر ذلك .
ثم قالوا:
 
- انه ليس معترضا٠
ثم قالوا:
 
- انه موافق وراض على اعمال الوكيل٠
انتشر هذا القول وعبد الناس الوكيل واعترفوا له بانه الملك الفرد  ونسوا ملكهم وقالوا :
- ليس لنا الا ملك واحد هو هذا الوكيل، ملك يشبهنا ونرى صوره في الميادين ٠
وقال آخرون اختاروا اشراك الوكيل مع الملك في الملك :
 
- لقد رفع ملكنا اخانا الوكيل الى رتبة الملك وجعله معه ملكا، ولا يعنينا السبب من مرض او اعتزال او موت . انه لم يعد عبدا مثلنا وصار ملكا مع ملكنا الاول ٠
 وقال آخرون :
 
ان ملكنا تجسد في الوكيل فلم يعد من فرق بينهما فهما اثنان وهما واحد بل هما ثلاثة في واحد، الوكيل والملك وقوة التجسد ٠
وبقيت قلة من الناس متكتمة تنكر موت الملك او مرضه او تنازله للوكيل او تجسده فيه، وتقول :
 
ان الملك لا يتنازل عنا لاحد فنحن مماليكه ولا يعقل ان يبيعنا فهو غني لا يبيع مماليكه ثم انك لا تجد في العالم من يملك ثمننا فيشترينا منه، ولا يعقل القول بانه مات او مرض او عزل نفسه او تجسد في الوكيل ٠

انطلق اغلب الناس، الا هؤلاء، بعد هذا، الى الوشامين فرسموا فوق جلودهم اسم الوكيل، ولم يستطيعوا مسح اسماء الملك من بواطن وظواهر اجسادهم فامروا الوشامين بان يغلفوا تلك الاسماء باسماء الوكيل وان يستروها بها ٠ لم يسموا الوكيل باسمه على جلودهم بل سموه اول الامر باسم الملك الثانى ثم مضى زمن فسموه الملك بدون وصف وغيروا اوشامهم وانكروا الملك، ملك المماليك، انكارا تاما واقاموا انكارهم على علل مختلفة كمرضه وموته وتجسده وتنازله كما تقدم .

اطمأنوا بعد هذا وقبلوا الجوع والمرض المنتشر فيهم وزعموا انه جزاء شكهم في ملك الوكيل اول الامر، وان الامر سيتغير بتتابع الطاعات له فأطاعوه وضربوا بقانون ملك المماليك عرض الحائط لاقتناعهم بعجزه وكتب وجهاؤهم قانونا جديدا يلتزمون به وتظهر به عبادتهم للوكيل الذي غدا ملكا وارثا لملك المماليك الذي خلعوه فالتزموا به وانتظروا ان تتحول احوالهم بتلك الطاعات الى الاحسن وان يفارقهم المرض والجوع ونقص الاموال والثمرات ٠
حينئذ هبت عليهم ريح صرصر عاتية، دمرت اقليمهم ودمرتهم، ولم ينجُ منهم الا الذين كذبوا القول بعجز الملك٠ كانوا قد خرجوا من اقليم الوكيل قبل الكارثة، تجارا، الى اقليم آخر٠

د٠احمد العلوي
رئيس اتحاد اللسانيين المغاربة ٠
الرباط 2010
 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved