عندما حضر صفّنا لتعليم اللغة العربيّة في قاعة فانوس بعض من شباب عبّادان، طلبوا أن يقام لهم صفّ هناك، وتحديدا في حيّ السّليج .
لم أتردّد في الإستجابة وكنت قد أبلغت جميع أصدقائي بأنّي مستعدّ لتدريس لغتنا العربيّة أينما وُجد من يريد أن يتعلّمها . والمسافة بين المحمّرة وعبّادان ليست أكثر من بضعة كيلو مترات .
لم تمضِ أيّام واتّصل بي أحد الأصدقاء ودعاني لمناسبة فتح المضيف .
كنت أتصوّر المضيف داراً يحضره رئيس قبيلة يحفّه جلاوزة لا يعرفون من النّشاطات الثّقافيّة سوى احتساء القهوة وسرد مفاخر الماضي الّتي أكل عليها الدهر وشرب .
حضرتُ برفقة بعض الأصدقاء، وقد اكتظّ المضيف ذلك اليوم بضيوف من طبقات شتّى تعنيهم القضايا الثّقافيّة، ومن محافظات مختلفة منها المحمّرة وعبّادان والفلاحيّة .
وفي أجواء الشّعر والموسيقى والمحاضرات، تمّ افتتاح المضيف .
يقع المضيف في حيّ السّليج والّذي يشبه القرية تماما، تحيط به النّخيل من كلّ جانب .
بناه الشّباب المهتمّون بعناية فائقة، مساحته 60 مترا مربعا، طوله 12 مترا وعرضه 5 أمتار .
يتوسّط السّقف عمود كهربائي قطره أكثر من 30 سنتيمترا وطوله أكثر من 12 .
حيطانه بنيت بالقصب والطّين وجذوع النّخيل؛ اُستخدمت ستّة منها في الحيطان وجذع في وسط المضيف وكأنّه عمود خيمة .
الشبابيك اللوحيّة والّتي تطلّ على النّهر من جانب، وعلى فناء المضيف من جانب آخر صُنعت على الطراز القديم، وتذكرني بشبابيك قصر الشّيخ خزعل في الفيليّة والّذي هدموه قبل عقد .
والباب الخشبيّ الّذي صُنع على الطراز القديم هو الثّاني، يتشكّل من مصراعين عريضين مشرعين .
السّقف منحدر، وقد اُستخدم فيه 60 خشبة تسمّى (چندل) و20 (بارية)، والّتي تصنع من شرائح أعواد القصب .
عدّة فوانيس معلّقة في السّقف ترجع بك إلى عقود من الزّمن، وتذكرك بالكرم والأصالة والتّراث .
وفي الحيطان أكثر من مشكاة، وُضع عليها الصّحون والكؤوس الخوصيّة الفولكلوريّة والّتي نُسجت من خوص النّخيل؛ وإذا ما أرادوا أن يقدموا للضّيوف الفاكهة استخدموها .
والموقد الّذي تفور فيه القهوة كلّ ليلة، يخرج الدّخان من مدخنة عريضة بنوها بالآجر .
وجنب الباب مكتبة فيها بعض الكتب العربيّة صنعت من اللوح .
وعلى أرضيّته فُرشت أربع سجّادات على كلّ واحدة صوفة غنم أو أكثر .
يقول أحد الشّباب المبادرون :
إنّ بناء المضيف استغرق شهرا، وقد اشترك في بنائه معظم شباب السّليج، فلم يكلفنا سوى مبلغ الشبابيك والباب؛ حتّى المكتبة تبرّع بها أحد الأصدقاء .
أصبح المضيف وبفضل شباب السّليج مركزا ثقافيّا يجري فيه الحوار حول التّراث والتّاريخ والحكم والأخلاق، وتقام فيه صفوف مختلفة .
يقام يوم الجمعة من كلّ أسبوع صفّ لتعليم القرآن تکفّل به الأستاذ عبدالله البغلاني، يحضر هذا الصف عشرون طالبا وطالبة ومن سنين مختلفة من 8 سنوات وحتى 55 .
كما يقدّم الأستاذ محمود الكعبي دروسا في اللغة الإنجليزيّة أيّام الأحد والأربعاء مساء، ويحضره نفس الأشخاص .
وفي أيّام الإثنين من كلّ أسبوع، نشرع بتدريس اللغة العربيّة ويحضر هذا الصفّ بنات وأولاد وشباب وشيوخ .
والإشتراك في جميع هذه الصّفوف لا يكلفك سوى ساعات قليلة من الوقت والإهتمام بثقافتك العربيّة .