متى يطلُ علينا زعيمٌ مثل عبد الكريم/ نصٌ نثري

2019-02-06
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/12f13fc5-a203-486c-bf5b-a5e94dd00424.jpeg
لا أومن بالأقوال التي تقفل باب التاريخ وتلغي جدل الحياة وتُحيل الى القنوط من التجدد والنماء وتُوقِف حركة الزمان، وأعتقد ان هذه الأقوال محضُ مبالغات، مثل قول : لا يمكن ان يأتي شاعر بحجم المتنبي بعد، أو الجواهري آخر عمالقة الشعر العمودي . هذه الأقوال لا تصمد أمام الحقيقة العلمية ان الحياة مستمرة ونهر الزمن يسير والأمهات لم يزلن ينجبن، ونحن لا نعرف عن المستقبل الّا الشيء الهيّن واليسير، هو الشيء الذي تمكننا منه قراءة الماضي والحاضر، أما المستقبل البعيد فمجهول حقاً .. ولكنني مع هذا أتساءل :
 
كم يحتاج العراقيون والعرب من الزمان بعد حتى يطل عليهم حاكمٌ بشرفِ ونبل ونزاهة وزهد تواضع وشجاعة وكرم وطيبة وضمير عبد الكريم قاسم ؟!! ، واستدل على هذا ببعض الشواهد :
 
عبد الكريم قاسم كان رئيس دولة ولم يمتلك بيتاً أو بالأحرى لم يرغب ان يمتلك بيتاً، وفضل ان يعيش في بيت أهله البسيط جداً، عبد الكريم قاسم كان رئيس العراق البلد النفطي والزراعي ولم يمتلك أموالاً في البنوك ولا مزارع ولا اقطاعيات ولا أراضي سواء كانت بوراً أو مزروعة . عبد الكريم قاسم كان لديه راتب باعتباره ضابطاً في الجيش العراقي وكان يوزع من هذا الراتب على الفقراء والمرضى والمحتاجين والبسطاء من عامة الشعب، بل ويحدث انه يقترض في نهاية الشهر لأنه تبرع بجزء كبير من راتبه ولم يتبق منه شيء يكفيه حتى استلام راتبه الجديد في رأس الشهر، عبد الكريم قاسم انجز في فترة حكمه القصيرة البالغة أربعة أعوام ونصف فقط من المشاريع والبناء والتأسيس والاعمار ما عجزت عن إنجازه كل الحكومات العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في سنة 1921 والى الآن، بل ان بعض الحكومات دمَّرت أكثر بكثير مما عمَّرت . عبد الكريم قاسم كان صديق العامّة من الشعب يتمشى في الشوارع ويزور المرضى في المستشفيات ولا تصعب مواجهته أبداً، ولم تكن له حماية سوى سائق وعسكري واحد، وأحياناً يسير وحده مثل أي مواطن بسيط  .. وعلى قلة مدّة حكمه سيستغرب الانسان من أعداد المواطنين الذين قابلهم أو تواصل معهم في بغداد في جولاته اليومية أو في محافظات العراق وأقضيته ونواحيه وأريافه .. غادر عالَمنا هذا وكل ملكيته لا تتعدى العشرين ديناراً أي ما يعادل سبعين دولاراً، وفي كل فترة حكمه كان يأكل وجبة الغداء من السفرطاس أو الصفرطاس الذي تجلبه له بنت أخيه أو بنت أخته، والسفرطاس عبارة عن ثلاثة أو أربعة أوعية من الألمنيوم  مثبتة فوق بعضها يحمل كلُّ وعاء منها نوعاً من الأكل وغالبا ما تستخدمه عوائل الكسبة البسطاء والعمّال العراقيين لأِيصال وجبة الغداء اليهم في مقرات عملهم، فكيف يكون الزعيم بعد ؟! هذا هو الكريم عبد الكريم فمتى سيطل علينا زعيمٌ بمواصفاته .

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

ملاحظة : زمان ومكان كتابة هذا النص النثري يوم الثامن من شباط 2019 في برلين

كريم الاسدي

كاتب وشاعر عراقي يعيش في برلين

karim.asadi777@yahoo.com

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved