(... والمدهش فيك ..، جامع يحضن مقهى،
كنيسة خلفها حانة، مزامير تزأر،
زرنات تصدح، طار ورباب.)
من مجموعة للمكان الذاكرة والقلب للحبيبة 2009
في أوقات الصمت أحاول الإقلاع صوب محطات يكاد النسيان أن يفترسها، فالبصرة بحر واسع وهذه الصورة تعيدني إلى بصرة الستينات من القرن الماضي حيث كان هذا الرجل طفلاً بوجه حزين ـ كما هو عليه الآن ـ يساعد والده في محله الكائن في عمارة النقيب والتي كانت شاخصة ومطلة على نهر العشار والمتاخمة لسوق حنا الشيخ الجديد شرقاً وساحة وقوف السيارات غرباً.
كنا صغاراً نمشي راكضين وفي حياء مغلف بالخوف لنصل دكان (أبو عباس)، منتظرين دورنا للحصول على لفة (السمبوسة) وعيوننا مثبتة على جاره الجالس على كرسيين أو ثلاث وبطنه العظيم مندلقاً أمامه ، كانت عناقيد (الباسطرمة) المعلقة في واجهة دكانه تحملنا على الضحك نحن القادمين من أرياف البصرة!.
فجأة يدير روؤسنا الصغيرة صوت ناي (تومان)، وكأني به بعد أن يوزع إعلانات سينما الرشيد وأحياناً بعض الإعلانات التي تطبعها مطبعة (التايمس) في البصرة وبعدها مطبعة( حداد)، يترك جمهرة الصبيان اللذين يتناوبون على حمل لوحة إعلان فلم الإسبوع، نازلاً إلى نهر العشار، متبرداً بماءه يخرج بعدها ومن دون أن يجفف ملابسه ليواصل سيره ومشاكسته لبنات البصرة الجميلات في( سوق الهنود).
في الجزء المقابل لدكان( أبو عباس) من ساحة وقوف السيارات كان موقف باص نقل الركاب ( الأمانة) مرسيدس حمراء نظيفة ذات 44 مقعد ـ نصفها الأمامية مبطنة وبغلاف من القماش الزاهي ـ بإنتظار عودتنا إلى أبي الخصيب، حيث لا زحمة ولا زحام [ بعدها بعشر سنوات لا وجود " للمصلحة " وإنتقل موقف السيارات قرب أسد بابل وبدأ الزحام والزيطة والزمبليطة (القول لأحد المصريين في داخل المجمع التسويقي، وقتها كان الزحام على أشده والبضائع على إختلافها)].
أما اليوم وما يأتي من أخبار فهي مجلبة للآلام كلها!، إذن هناك في البصرة، كم هي الحياة حزينة ، ونحن بإنتظار أن تتحقق أحلامنا.. أحلامنا نحن الفقراء!!!.