نجاح بلا مهارات

2020-10-27

تقول النكتة إن رجلا رزقه الله سبعة أبناء لم يُدخل أحدا منهم مدرسةً من المدارس، ثم إنه خالف عادته، بعد ذلك، فألحق ابنه الثامن بالمدرسة، فكانت مفاجأة لكل الذين علموا بالأمر.. وجاءت قناة إعلامية لتحاوره في الموضوع .

     قالت الصحافية : علمنا أن لك سبعة أبناء لم تُدخل أحدا منهم مدرسة، وأنك فعلت عكس ذلك مع ابنك الثامن، فما السر في ذلك ؟

أجاب الرجل : لا شيء يا سيدتي، فقد أكرمني الله بسبعة أبناء ليس في أحد منهم عيبٌ خَلْقي . أما الابن الثامن فوُلد أصم أبكم؛ لذلك فكرتُ أن أدخله المدرسة ليُحمّق الأستاذة بدلا من أن يُحمّق أمه !!

تنادرت بهذه النكتة زمناً مع عدد من الأصدقاء، خصوصا الذين اكتووا بنار التدريس في ظروف بالغة الصعوبة.. ثم قدّر الله لي أن أعْلم بأمر غريب هذا العام : طفل في الثالثة عشرة من عمره، يسكن في مدشر تابع لإحدى القرى، أصم، أبكم، يدرس في السنة الأولى من التعليم الإعدادي .

في حصة التعارف بين الأستاذ والتلاميذ طَلب إلى مَن يُنادى باسمه أن يرفع يده ليعرفه . وحينما نادى أحدَ التلاميذ قال أصدقاؤه : "حاضر".

    سألهم الأستاذ : "أين هو ؟" وتوقع أن يرفع يده، فإذا بالتلاميذ يشيرون إليه .

    سأله الأستاذ : لم لا ترفع يدك ؟

    قالوا: إنه لا يسمع ولا يتكلم .

    "لا يسمع ولا يتكلم" !!...سكت الأستاذ مفكرا في الأمر... ترى كيف نجح ؟ كيف يتواصل مع زملائه ومع الأساتذة ؟ كيف يتعامل مع ورقة الامتحان ؟ كيف..وكيف..وكيف ؟؟؟

    قال الأستاذ لمدير المؤسسة : لو أن والد التلميذ نقل ابنه إلى مدرسة خاصة بالصم والبكم لكان خيرا له ولولده؛ لأنه لن يتعلم شيئا هنا .

وبعد أيام قال المدير للأستاذ : جاء والد التلميذ وقال إني أعرف أنه لن يتعلم شيئا . فقط اتركوه عندكم في المدرسة .

وتذكرتُ النكتة، وضحكت... ثم التمست العذر للأب ورددت في أعماقي : لعل إمكاناته المالية ضعيفة، ولعل الله تعالى يسخّر له من  يساعده على نقل ابنه إلى مدارس الصم والبكم .

أفكر أحيانا كثيرة في شعور هذا الولد البريء وهو ينظر إلى التفاعل بين زملائه وبين الأستاذ في لحظةِ قراءة نص، أو شرح كلماته، أو مناقشة فكرة من أفكاره، وهو لا يفهم شيئا من ذلك...

وأتساءل أحيانا عن إحساسه وهو ينقل إلى دفتره ما هو مُدوَّن على السبورة دون أن يدرك معاني ما ينقله من كلمات وعبارات..

وأرى أحيانا أخرى في "نجاح" هذا الولد البريء، وانتقاله من مستوى دراسي إلى الذي يليه، تشبيها بليغا لدولة متخلفة تُراكم في تقاريرها "نجاحا" تلو "نجاح"، وتُسجل على الأوراق انتقالا وتقدما من مستوى إلى مستوى أعلى وأرقى.. لكنها في الحقيقة دولة صماء بكماء لا تملك من المهارات أبسطها، ولا تتفاعل مع العالم من حولها إلا بالمحاكاة والتقليد الأعمى .

 

 

أبو الخير الناصري

- كاتب مغربي من مدينة أصيلا (شمال المملكة المغربية)  حاصل على شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة عبد المالك السعدي بتطوان شارك في تأليف معجم الدوحة التاريخي للغة العربية .

 من أعماله المنشورة :

1/ تصويبات لغوية في الفصحى والعامية، مطبعة الهداية، تطوان، ط01، 2008م.

2/ في صحبة سيدي محمد الناصري رحمه الله تعالى، مطبعة الخليج العربي، ط01، 2008م.

3/ لا أعبد ما تعبدون (مقالات نقدية)، مطبعة الأمنية، ط01، 2011م.

4/ وردة في جدار (مقالات)، منشورات جمعية البحث التاريخي والاجتماعي بالقصر الكبير، ط01، 2015م.

5/  خارج القفص (مقالات)، منشورات مكتبة سلمى الثقافية، تطوان، ط01، 2016م.

6/ في صحبة أستاذي محمد الحافظ الروسي، مطبعة تطوان، تطوان، 2017م.

7/ غيمات الندى، منشورات مكتبة سلمى الثقافية، تطوان، 2019م.

ب- أعمال بالاشتراك مع آخرين :

1/ أحمد عبد السلام البقالي: الإبداع وإشراقاته (بالاشتراك مع آخرين)، سليكي أخوين، طنجة، ط01، 2011م.

2/ المرحوم عبد الله المرابط الترغي: أيقونة قيم ونبراس علم (بالاشتراك مع آخرين)، منشورات سليكي أخوين بطنجة، 2017م.

3/ حازم القرطاجني وقضايا تجديد الرؤية والمنهج في البلاغة العربية (بالاشتراك مع آخرين)، منشورات جامعة عبد المالك السعدي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، 2018م.

4/ لمع من ذاكرة القصر الكبير، الجزء 02 (بالاشتراك مع آخرين)، منشورات جمعية البحث التاريخي والاجتماعي بالقصر الكبير، 2018م .

abouelkhair.naceri18@gmail.com

 

 

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved