الحدود (رحلة الى فلسطين 2 )
ما أن تصل الى حدود الأرض المباركة فلسطين الحبيبة الا وتشعر بانقباض صدر لا القهر الذي نسمع عنه حالٌ بنا ولا الصبر , ما بين هذا وذاك ترغب أن ترى كل شئ وما بعده كي تفهم بل تحاول أن تفهم ما يجرى , تكون في حيرة ليست قصيرة أمام هذه الحدود ومن يحرسها من عدو آثم اقتلع الشجر والحجر , الا أنك سرعان ما تتذكر أنك تسعدهم بألمك خاصة إن بدا عليك .
قلت لمن يرافقني من أولاد وزوج , أتشعرون بما يعتريني من شعور أم أنكم بعيدون عن هذا , فتبين لي أن هناك تباين بالمواقف , وأرد هذا للعمر الذي حكم علينا بالفهم .
نظرت وتفحصت كل الأشياء من حولي الا أنني اكتشفت شيئا غريباً حيث أن المسافرين قد دأبوا عليه , واعتادوا قبول أي شئ داخل هذه الصناديق , دون تأفف وضيق رغم المعاناة التي أراها وقد زرعت على جبين كل متحرك داخل هذه الحدود سواء كان طفلاً أو رجلاً أو شيخاً أو امرأة , كل هذا من أجل أن يتمم ما كان قد ذهب اليه , من قلب الألم , ومن داخل الأمل الذي حقق ويحقق العمل , ترى عيونهم وقد نظرت بكل عزة وشموخ الى ما هو أكبر , يقول أحدهم انها الحياة التي كتبها الله وانه القدر , سنبقى صامدين , ثابتين في أرضنا رغم كل ما يفعله المحتل , كلمات ذات مدلول كبير , ان الزمان لا ولن يقف لكن تبقى الذاكرة لهذه اللحظات هي من يؤسس في عقولنا العاطفة , فتصبح عاطفتنا معقلة , وهذا بيت القصيد لمن كان قد علم ذلك أو يريد .
لذا وددت أن أعيش والقارئ الكريم رحلة السفر الى فلسطين من الحدود الى الحدود حيث الدولة - بل الأرض - الوحيدة التي لديها أكثر من حدود لنقطة الحدود , كي أضعه في صورة ما يجري من واقع على الأرض يعيشه ذاك الشعب الصابر والمرابط.
ما أن تخرج من الحدود الأردنية متجهاً نحو الضفة الغربية لنهر الأردن الا وأن تقف الساعات الطوال داخل المقطورة كي تنقلك الى صناديق المحتل ويمضي الزمن لكنه ليس سريعاً كعادته , الى أن يسمح لهذا الناقل أو ذاك بالحركة الى الأمام , وكل ما نريد أن نقطعه من مسافة لا يعدو أكثر من ثلاث كيلومترات , وتبقى المشاهد المؤثرة حين تبدو أحدى الأمهات وهي تحمل وليداً يتألم من شدة الحرارة وربما الجوع ولما تستطيع إرضاعه فانها في سجن لكنه متحرك , قد تحتاج فيه الى شربة ماء ويمنعك منها أمران الأول غير متوفرة والثاني ان توفرت ليس من الحكمة تناولها لحاجتك إخراجها فيما بعد . واقع مؤلم , يصعب وصفه وان أفلح أحد بوصفه فيصعب فهمه وان حدث الفهم , يصعب تخيله إلا من جربه , علمت كم هي المعاناة لأول ثلاث كيلومترات , سأكمل المشوار ولم نصل بعد .
لذا إن من يملك القرار لا يعرف ومن يعرف لا يملك القرار . وددت أن يعرف كل من في الأرض أن هناك شعب يستحق الحياة .
مهلاً تستطيع الآن شرب القهوة .
د. منصور سلامة الرياض - السعودية
+966-504624093