تحركنا من قرية بيت ليد الشرقية الى مدينة طولكرم عائدين بعد معاناة في الجبال دامت قرابة الاسبوع وبعد هدوء نسبي وقناعة غريبة وذهول أغرب وسط هذه وتلك , نشأت المعاناة , ليكون فصل آخر لكن أسلوبه مختلف , ففي هذه المرة وجدت الاصرار لدى والدي وجدي رحمهما الله وكثير من الناس على العودة لبيوتهم, وعدم مغادرتها ولو تم تفجيرها فوق الرؤوس كي لا يضاف لهم لقب آخر للقب لاجئ , فمن خرج في النكبه أعطي لقب لاجئ ومن خرج في النكسه اعطي لقب نازح , فبقوا على الأرض واحتفظوا بلقب مشرف وهو لقب المرابطين , وهم الصامدين على الأرض الصابرين .
نظرت لجدي وهو منكب على مذياعٍ لا يفارقه , يبحث عن خبر أي خبر , عن بصيص أمل , عله يجد في ثنايا الحديث ما يدفع لذلك , ولسان الحال يقول أين الصواريخ والدبابات التي كنا نتغنى بها واين الاستعداد الذي زاد عن تسعة عشرة عاما لاستعادة ما أحتل من أرض فلسطين وما سمي بفلسطين48 , ولكنها مرحلة الضياع وليس الأمجاد التي صدح بها أحمد سعيد حيث قال أمجاد يا عرب أمجاد ذاك المذيع القابع وراء مذياعه من خلال صوت العرب لينقل لنا عكس ما يجري على الارض , حتى وصل الامر لوصف طائرات العدو انها تتساقط كالذباب , يا له من واقع مرير وأين القاهر والظافر التي كانت ستدك تل أبيب دكا , ولكن الظافر ليس بظافر , والقاهر أيضا أصبح مقهورا دون حراك .
وصلنا الى الحي الشرقي من مدينة طولكرم حيث نسكن آنذاك في ( عزبة الجراد ) مرورا بمثلث مخيم طولكرم والذي يسكنه كل من خرج من أرض فلسطين 48 على أثر النكبه وسمي لاجئا , روى لنا كثير من الناس مشاهد من البطولات الفرديه من أشخاص استبسلو ودافعوا عن مدينة طولكرم عند مثلثها الشرقي المحاذي لمخيمها واستشهدوا بعد ما نفذت منهم الذخيره حيث قَتَلوا أعداد من الجيش الصهيوني , وأخيرا وصلنا البيوت وكان المطلوب أن نرفع الرايه البيضاء على مقدمة كل بيت وفعلنا بألم وحسرة .
واذا بجيش الاحتلال يُخرج الرجال والشيوخ وكل من بلغ ثمانية عشرة عاما فأكثر , ويربطهم بالدبابات لتتحرك آخذة معها المقيدين الصامدين وبعبارات مؤلمه قاصدين الإذلال للإنسان والأرض متجهين بهم الى مركز المدينة العسكري .
فمن وسط الإذلال المقصود لعدو مجرم حقود , تكون العزة وتسود لتسطر نفسها في صفحات التاريخ وكانت , كما لو رُسِمَت رسما لهم , ولكل من ثبت على الأرض روحا وجسما وعقلا , وأَنَّ المجد سيسصنعه هؤلاء وان تأخر قليلا , لا محاله هم صانعوه , بدأوا روح التحدي ومخطئ من ظن أن الإنتفاضة الأولى جاءت مصادفة , فبعد عقدين من الزمن شاء الله لها ان تكون وكانت , عمل العدو ليل نهار وبشتى الأساليب لإثبات مقولةَ تلكَ المرأة المسماه " جولدامائير " رئيسة وزرائهم آنذاك حين قالت " يموت الكبار والصغار ينسون " , ولكن هيهات هيهات ان تذل الأمه أو تهون , ولو جاءت عليها فترة لتبعتها فترات , ليتبع الحراك السكون , علمتمونا أطفال فلسطين ان الحق لن يضيع ولن يفرط به الرجال ولن يهون , فاصبحتم عباقرة في هذا الفن لشعوب الارض ونقلتم الحراك لكل مقهور أو محزون .
وبدأ الجميع يعيش حقيقة الإحتلال والسجون والقمع والحواجز والجسور والسفر والتنقل والمعاناة بكل أشكالها وما سمي بجمع الشمل والبحث عن الأولاد والأعمام والأقارب والأخوال !!!!!!! وهذا له تفصيل سيأتي.
أؤكد إن من يملك القرار لا يعرف ومن يعرف لا يملك القرار, ليعرف كل من في الأرض أن هناك شعب يستحق الحياة .
مهلاً تستطيع شرب القهوة
Dr.mansour_sal@yahoo.com