
سبق وان نشرت هذه القصيدة في نسختها الألمانية يوم 22.03.2000 في جريدة زيورخ الجديدة والتي تسمى في الألمانية ب
Neue Zürcher Zeitung
النص الأصلي للقصيدة كتبته في العربية، ولكتابة النص قصة قصيرة وممتعة لم ادونها من قبل ولكنني أبوح بها الآن لأنها انضمت الى سجل الذكريات الجميلة والحميمة .. كان الشاعر العربي الكبير أدونيس ضبفاً على مؤسسة البعثة العلمية في برلين التي يقع مقرها في ضواحي منطقة شارلوتنبورج البرلينية الراقية ، والبيت التابع للمقر كان قصراً جميلاً بحديقة واسعة، في ضاحية كلها حديقة واخضرار ، وفي هذا القصر أو الفيلا يقيم الأدباء والشعراء والعلماء والباحثون الضيوف الذين تستضيفهم المؤسسة لتمكنهم من إنجاز عمل أو إكمال مشروع .. دعاني الأخ الشاعر أدونيس لتناول طعام ألغداء معه في المطعم الملحق بالفيلا، حيث من حق الضيف ان يدعو معه صديقاً الى الطعام بعد إخبار إدارة المقر بالأمر . في الطريق اليه كنت أصطحب معي نسخة من مجموعتي الشعرية ـ غيوم الدماء السومرية ـ التي صدرت عن وزارة الثقافة السورية، لأهديها له . وأنا أستقل الباص الذاهب إلى المنطقة حاولت أن أكتب له إهداءً ما، بيد ان العبارة التي أريدها لم تفد إلى خاطري وذهني، ثم إنني قررت إرجاء الأمر لحين الوصول، فالباص متحرك، وأنا اراعي ان يكون خطي العربي، الذي كنت سابقاً اعوِّل عليه، جميلاً اثناء كتابة الإهداء . حين وصلت إلى المكان والتقيته أمضينا فترة رائعة في المطعم الذي ينزل إلى فنائه الرحبِ الضيوفُ لتناول الطعام المخصص لهم . كان أدونيس ودوداً ورحباً ومرحاً بالاضافة الى أحاديثه الشيقة وحسه المرهف وإسلوبه البارع في الكلام .. قبل أن يحين وقت توديعي له أخرجت نسخة الديوان الشعري وأردت ان أكتب له شيئاً وأنا أضع النسخة على الطاولة أمامي فكتبت العبارة الأولى ( في بعيد البعيد ) ، ووددت الاستمرار نثراً واذا اجدني أكتب شافعاً عبارتي الأولى بعبارة ( في زمان الندى ) . قلت لنفسي هذا شعرٌ موزون فأكملت القصيدة القصيرة وقدمت النسخة له لأرجع الى البيت مع اتفاق على لقاء قادم مع أدونيس في هذا البيت الجميل .. وقد حضرني بيت المتنبي ومطلعه الرائع :
على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ وتأتي على قدر الكرام المكارمُ ..
ساورني هذا البيت رغم انني لا أمدح ملكاً أو رئيساً في شعري، بيد ان اللقاء كان بالفعل في غاية الروعة والألفة وعذوبة الحديث . في الباص عائداً إلى البيت كانت القصيدة ترن بعد في ذاكرتي .. دونتها، وبعد فترة وأنا اردد ابياتها، وجدت انها تصلح للنقل الى الألمانية بسبب ثراء احتمالات التأويل في صورها الشعرية رغم انها قصيدة وزن وموسيقى، فقمت بترجمتها وإرسالها فيما بعد الى هذه الجريدة السويسرية الناطقة بالألمانية والتي تتمتع بافق عالمي الصدى والمستوى والانتشار، فكان من دواعي سروري استلامي رسالة برد جميل من القسم الثقافي والأدبي في الجريدة ـ التي سبق وان كنت قد نشرت فيها ـ وهم يعلمونني بموافقتهم على نشر القصيدة، وقد نُشرت فعلاً فيما بعد، في التاريخ الذي اشرت اليه أعلاه، هنا النص العربي رفقة النص المترجم الى الألمانية مثلما ترجمته ونُشر في ذاك التاريخ :
بُعد
في بعيدِ البعيدْ
في زمانِ الندى
كان صوتُ السحاب
بريداً
وكانَ الصدى
حاضراً في الغيابْ
Ferne
In der fernsten Ferne
in der Zeit des Taues
war die Stimme der Wolken
ein Brief
und gegenwärtig war das Echo
in der Abwesenheit.