الوقت خريف، ولدينا دوام، كنّا أنا وأمُك قبل أن تشرّفنا بمجيئك قبل أكثر من عامين ننام قبل الحادية عشرة مساء، ونستيقظ فجراً، نصلّي ونقرأ، وكنتُ أكتب . كان لدي أكثر من ثلاث ساعات قبل الذهاب إلى الدّوام . وكنت أتابع قناة mbc2 فأتفرّج على فیلم سينمائي هوليوودي مرّة في الأسبوع . وكنت أتمشى وأمّك عصرا ساعة كلّ يوم .
وبعد أن وهبك الله لنا والحمد لله، اضطرب هذا التّوقيت، فأمسينا نخلد إلى النّوم متأخّرين، لأنّك تنام متأخّرا؛ وساعات الفجر تضاءلت إلى ساعة أو أقلّ من ساعة ! ولا أريد أن ألقي اللوم عليك، ولا على غيرك؛ وأيّ لوم وقد تبدّل الجوّ مذ مجيئك إلى ألطف ؟!
وعندما تكبر بإذن الله وتقرأ هذه الخاطرة، قد تسأل مستغربا :
لماذا لم توقظاني مبكّرا صباحا لأنام مبكّرا ليلا ؟!
وهذا ما اقترحته على والدتك أيضا، فقالت :
إن أيقظته مبكرا بكى؛ ولا يهون عليّ أن أراه يبكي !
فهل لك أن تتصوّر مدى هذا الحنان ؟!
هذا الحنان الّذي أرّقها غير ليلة إذا ما أصابتك حمّة أو زكام ! وهيهات أن تشكو من التّعب، ولا مرّة واحدة !
البارحة أيضا تأخّر وقت نومك، وبدأتَ تبكي من دون سبب، ولجأت إليّ بعد أن أتعبت أمّك، فحضنتك وخرجت بك إلى باحة البيت؛ لكنّ الباحة لا تحلو لك رغم وسعتها الّتي تفوق المئة مترا مربعا، وحديقتها الّتي تفوق مساحتها العشرين مترا مربعا .
وبعد أن انتعلت نعالك ركضت نحو الباب، وليس أمامي سوى إجابة رغبتك، ففتحت لك الباب وخرجنا معا .
لم يكن أحد في الشارع سوى القطط الّتي تعبث بأكياس النّفايات؛ أمام كل بيت يوجد كيس أو أكثر، سيّارة النّفايات لم تأتِ بعد، وهذه فرصة القطط لتأخذ نصيبها من الأكياس؛ فتنتقل من كيس إلى آخر . هنيئا لها، تأكل وتمسح مخالبها بالحائط، ولا تهتمّ بالغلاء الّذي سببته حكومة حسن روحاني، ويوشك أن يقصم ظهور الفقراء !
وهي تشرد إن اقتربنا منها، وأنت تعدو وراءها، وأنا أعدو وراءك رافعا دشداشتي بيدي اليسرى لكي لا أتعثّر بها فأنكبّ على الإسفلت، وإن انقلبت على وجهي وأنا قد بلغت السّابعة والأربعين، ووزني بلغ الثّمانين كيلو غراما، فلن أسلم من الكسر .
وبعد شوط لا يقل عن النّصف ساعة، أرفعك في حضني رغم اعتراضك، وأقفل عائدا بك إلى البيت وقد ابتعدنا عنه مسافة لا بأس بها !
أنت الآن بلغت العامين وخمسة أشهر، ووزنك بلغ اثني عشر كيلو غراما، والحقيقة أنّ هذا الوزن يتعبني قليلا، لكنّي لا أهتمّ؛ وكأنّي رافع ريشة ! فهل لك أن تتصوّر معزّتك عندي ؟!
الآن بلغت السّاعة الواحدة بعد منتصف الليل، ولم تنم !
تخرج بك أمك ثانية، تجلس بك على الأرجوحة، وتدندن لك أغنية :
طيّارة طارت طارت.... شوفوا شوفوا يا سلام
على النّجمات صارت .... إن شاء الله تصل بسلام
وبعد فترة ليست بقصيرة، تخلد إلى النّوم، ويهدأ الصّخب الجميل ... فطابت ليلتك يا بُني .
نسيت أن أقول إن برنامج مشينا أنا وأمّك لم يتعطّل تماما، صرنا نتمشى يومين في الأسبوع أو ثلاثة، وذلك بفضل أخيك ماجد . فهو يلعب معك ساعة حتى نرجع، وبالأحرى يلعّبك ولا يلعب معك .