اليوم هو الأربعاء الرّابع من آذار 2020، استيقظتَ على زقزقة العصافير وتغريد العنادل المنبثقة من نخلات البيت؛ وخرجت من الحجرة مبتسما وبطانيّتك الزرقاء بيدك .
كانت السّاعة تشير إلى الحادية عشرة صباحا؛ اليوم وكالأيّام الماضية منذ أسبوعين، كلنا مجتمعون في البيت، قطّعت أمّك السّمك وطبخت الرّز، وقام أسامة يقلي السّمك، وماجد جهز الخلّ ومدّ السّماط، وأنا قشّرت البصل ووضعته في عصير الليمون، وأنت كنت تلعب بالأرجوحة الّتي علقتها لك في السّقف بعد أن منعناك من اللعب بأرجوحة الفناء خوفا عليك من الإصابة بفيروس كورونا الّذي اندسّ من الصّين ليجتاح البلاد !
ولهذا تراني لا أداوم، وترى أسامة هنا، وكان من المفروض أن يكون الآن في الجامعة، وماجد لم يذهب إلى المدرسة، وشروق بقيت في بيتها ولم تأتِ لتتغدّى معنا .
إنّه فيروس كورونا، عطّل المدارس والجامعات والصالات والمناسبات، وقلّص ساعات الدّوائر والشّركات، وسجن النّاس في بيوتهم اتّقاء من انتشاره .
ثلاث ساعات بعد الغداء، أنا جالس في الحجرة أقرأ رواية وليمة لأعشاب البحر، وها أنت تناديني بصوتك الّذي يصدح صباحاً مساءاً فيملأ البيت حيويّة :
أبي، ماجد تعب من اللعب معي !
وأقوم أشاركك اللعب، نركل الكرة مرّات، ثم تغيّر اللعبة وتتّجه إلى الأرجوحة :
هيّا إلى الأعلى، إلى الأعلى ...
ثمّ أقترح عليك أن تتابع كارتون الدببة الثّلاثة من تلفزيون CN بالعربيّة، وأروغ إلى حجرتي ثانية لأكتب نصّا للدروس الّتي أقدمها عبر الواتساب مرتين في الأسبوع، وموضوعها (معا نحو الإملاء الصّحيح) .
وما أن انتهى الكارتون حتّى سمعتك تصيح :
أبي، أمي أحضرت لي الرّز والسّمك، وراحت تكرر القرآن مع ماجد؛ ولا أستطيع تناول السّمك لوحدي، فقد تعلق شوكة في حلقي .
كنتَ محقّا، فسمك الحسّون مملوء بالأشواك الّتي يتطلّب سحبها دقّة قد لا يمتلكها طفل لم يصل الثّالثة والنّصف من عمره بعدُ .
كنتُ أفضّل شراء سمك الصّافي، أو الأحمر، أو الوحر، لكنّ البارحة لم أجد لدى السّيارات الّتي تعرض السّمك على الشاطئ سوى الحسّون، والأسماك الصّغيرة، وأسماك الأحواض، وكانت هذه السّيارات قبلُ لا تجلب سوى أسماك البحر؛ لا شكّ أن فيروس كورونا منعهم من السّفر إلى ميناء جرون أو أبو شهر !
أضع السّمك والرّز وقليلا من البصل في الملعقة :
افتح فمك يا فتى، فقد جاءتك الملعقة محمّلة !
وترفض البصل ! وأقول لك أن ليس لديك خيار، أنت مرغم على تناوله .
وتتبسم وتفتح فمك؛ وأبقى أطعمك كالعندليب حتّى تشبع .
وأستأذنك لأغيّر القناة لمتابعة الأخبار السّياسيّة والصّحيّة .
قناة الحدث تتحدّث عن فيروس كورونا، وإنّه يهدّد أكثر من ثمانين دولة !
قناة الخبر الإيرانيّة تذيع خبرا عن رخصة لأكثر من 50 ألف سجين لمنع انتشار الفيروس، وأتمنّى أن يكون بينهم سجناء سياسيّون أهوازيّون .
قد تسألني كيف أستأذنك وأنا الأب وأنت الابن ؟!
وأقول بصراحة، أنت الّذي تتحكّم بنا وكأنّك الملك ! تأمر فتُطاع، وتنهي فتُستجاب .
والآن غسق الليل، صلّينا المغرب ثمّ العشاء، وها أنا أضع الكوفيّة على رأسي وأتكمّم بها وأخرج للجري، وأرجع لأمارس الرّياضة في البيت، وأنت تسايرني .
قبل منامك أحكي لك قصّة بسيطة بالفصحى، وتكون أنت بطلها لكي تستوعبها... لكنّك لا تغفو!
وتخاطبني بصوت يبدو فيه النّعاس :
أين أمّي ؟! قل لها أن تحضر حتّى أنام !
وتذهب قصتى سدىً، ومحاولتي تبوء بالفشل !
وتأتي أمّك وتنوّمك بسحرها، فتخلد إلى النّوم ...
ونتمنى لك أحلاماً سعيدة، وحياة ترافقها الصّحة والأمان والبركة ...