(حين رأيته في آخر مرة قبل أسبوعين، أدركت أنه يحتضر. كان صوته خفيضاًهذه المرة، وكان يعرف أن ليس هناك منفذاً ً آخر. ومع ذلك، ظل مبتسماً ً )
النحات والفنان المعماري فرانك جيري
هكذا ينتهي كرنڤال الحياة ليبتدأ طقس الموت. لقد إهتزت أركان مملكة هوليوود بغتة حين خفتَ ضوء أحد مصابيحها لتحّل العتمة.
في ظهيرة يوم الإثنين الموافق السادس والعشرين من شهر مايو (آيار) الماضي أعلنت وكالات العالم وفاة المخرج (الممثل والمنتج) السينمائي الأمريكي سدني پولاك (73 عاماً) في منزله في لوس أنجليس محاطاً بزوجته الممثلة كلير گريسود (50 عاماً) وإبنتيه ربيكا وراتشيل وشقيقه بيرني پولاك. في تلك اللحظة وفيما كان مهرجان كان السينمائي يستأنف برامجه، خيمّت لحظة صمت مشوب بالحزن والحيرة إثر سماع خبر رحيل الشاهد الأخير على ذلك الزمن الجميل.
برحيل پولاك إنهار ذلك الجسر الذي كان يربط بين حقبتين زمنيتين متباينتين لهوليوود. إنه المخرج والمنتج والممثل الملتزم وأحد أهم المحترفين المتكاملين في هوليوود لأربعة عقود.
لقد عالجت أفلامه أهم قضايا العصر وكشفت عن الأستغلال الإجتماعي والسياسي والأقتصادي المنظم بالمفهوم الجمعي، ولعل أهم الثيمات التي برزت في جل أفلامه هي موضوعة التمييز العرقي التي تجلّت في فيلمه صائدوا فروات الرأس "The Scalp hunters" أو الموقف المضاد للحرب كما في فيلم سجن القلعة "Castle Keep" أو الأزمة الأقتصادية التي تجسدت في ثلاثة من أفلامه: إنهم يصطادون الجياد، أليس كذلك؟ "They Shoot Horses, Don't They?"، الحياة التي عشناها "The Way We Were" وفيلم قائمة هوليوود السوداء "Hollywood's blacklisting". أما الأستغلال التجاري والإعلامي فقد ظهرت بشاعته عارية في فيلميه: الفارس المكهرب "The Electric Horseman" وغياب الحقد "Absence of Malice".
كشف پولاك أيضاً وبجرأته المعهودة، عن عدوانية السياسة الأمريكية من خلال فضحه لنشاط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في فيلمه أيام كوندور الثلاث "Three Days of the Condor". أما دعوته للمساواة بين الرجل والمرأة فقد برزت في فيلمه الكوميدي الشهير توتسي "Tootsie" الذي لعب دور البطولة فيه ديستن هوفمان.
على الرغم من أنه كان يحب أن يطلق على نفسه لقب "سيد الإتجاه السائد"، إلا أنه كان بمثابة الوسيط المعتدل أو حلقة الوصل بين صرامة الجيل التقليدي وراديكالية الجيل المجددّ. بمطالبه العنيدة في أن تكون الأفلام جادة، ساحرة، ملتزمة، عاطفية وبارعة، وفوق كل ذلك أن تحترم الجمهور وُتحترم من قبله بالضرورة، كان قد رسخ تقاليد فنية وأخلاقية للأجيال القادمة.
***
(القسم الأول)
پولاك ممثلاً!
("التمثيل"هو القاعدة التي شيدت عليها نفسي كمخرج سينمائي)
سدني پولاك
ولد سدني پولاك في الأول من يوليو 1934 في مدينة لافاييت في إنديانا، وكانت عائلته تتحدر من الجيل الأول للمهاجرين اليهود الروس. كان والده يشتغل أجيراً في إحدى الشركات التي تنظم مباريات للملاكمة من أجل تسديد قسط دراسته في كلية الصيدلة.
"كان والدي ملاكم شبه محترف يعمل لصالح شركة تسمى (هوسير بير) والتي كانت تنظم مباريات ملاكمة محدودة ومتواضعة. كان يحلم في أن يكون طبيباً لكنه لم يكن يملك المال الكافي لتحقيق ذلك الحلم، لذا فقد حصل على شهادة علمية بالصيدلة بدلاً من ذلك."
كان أمل الأب أن يذهب ولده سدني أيضاً إلى معهد الطب ليصبح طبيب أسنان لكنه لم يستطع تأمين أجور دراسته. أما الشاب پولاك فقد أضطر إلى ممارسة الملاكمة هو الآخر لكنه لم يعول على هذه المهنة في تسديد قسطه المدرسي.
"كنت أذهب لأعمل في الجمباز وكنت أرتدي نظارات طبية" يتذكر پولاك: "لم أكن أستطيع الرؤية بشكل كاف لأرّد اللكمات. كنت أرى تلك اللكمات فقط حين تكون قريبة من وجهي".
لم يكن بولاك جاداً أو طموحاً إزاء مهنة كهذه، إلا أن ثمة شيئاً آخر له علاقة بحياة المدينة الصغيرة "ساوث بيند" التي إنتقلت عائلته إليها فيما بعد، كان يسبب له الضيق: "إنها مدينة صغيرة ساحرة، إلا أنني كنت أحس بنوع من الضيق والضجر فيها".
توفيت والدته في سن مبكرة (37 عاماً)، بسبب إدمانها على الكحول. كان عمر بولاك سبعة عشر عاماً حين أكمل دراسته الثانوية، يومها قرر مفاتحة والده بمقترح:" قلت له، إمنحني سنتين فقط. سأوفر مبلغاً من المال لإني أحب الذهاب إلى نيويورك. لقد كنت أرى تلك المدينة المدهشة فقط في الأفلام.
أخيراً أخذت قطاراً ًوسافرت، وحالما وصلت عرفت إنني كنت قد إتخذت القرارالصائب. وحين سرت في الشارع شعرت أنني في الأقل في مركز شيء ما ذو شأن. هناك إلتحق بولاك بمعهد التمثيل الذي كان يديره أستاذ التمثيل الشهير البروفيسور سانفورد ميسنر(*).
كان بولاك شاباً عصامياً فقد كان يوفر قسط المعهد من عمله في شاحنة لنقل الأخشاب خارج أوقات الدوام. أما نشاطه الإبداعي فقد لوحظ وبإهتمام شديد من قبل أستاذه ميسنر منذ عامه الأول، فبدأ يظهر في عروض مسرحيات مهمة في المعهد وكان في نفس الوقت يدرس الرقص تحت إشراف مارثا گرام. لقد قام ميسنر بتشغيل هذا الشاب الطموح مساعداً له في قسم التمثيل وهو مازال في السنة الثانية لدراستة في المعهد. يقول بولاك:
"ميسنر هذا قلب كل موازين حياتي. لقد فتح عينّي على كل شيء. كان عمري تسعة عشر عاماً حين بدأت أدرّس التمثيل معه!. كنت أحضر في كل صفوفه. ماكنت أفعله، ومن دون أن أعرف حقاً، هو أنني كنت أتعّلم أسس فن الأخراج أيضاً. أنا شخص محظوظ حقاً لإنني قد تتلمذت على يد أفضل أستاذ في العالم.".
كان ميسنر بمثابة المرّبي والمعلم الحقيقي بالنسبة لبولاك، وكان له تأثير كبير على حياته بشكل خلاق، فقد تعلم على يديه تقنية التمثيل كإستجابة للممثل الآخر وليس كإداء آلي. هذه التقنية التي ستصبح القاعدة الصلبة لتقنيته الأخراجية فيما بعد.
أظهر بولاك وبسرعة أنه يمكن أن يكون مدرّباً حقيقياً للتمثيل في محاكاته لتقنية ميسنر، وقد تتلمذ على يديه أشخاص أصبحوا فيما بعد نجوماً كبار أمثال الممثل روبرت دوڤال وبريندا ڤاكارو ورپ تورن وزوجته كلير گريسويل وسواهم.
كانت تقنية ميسنر مشتقة من منهج ستانسلافسكي في عمل الممثل على الدور، وكان يعمل إلى جانبه مجموعة من الأساتذة العظام الذين كانوا ينهلون من ذات المنهج، وهم ستيلا أدلر، ستراسبورغ، هارولد كلارمن وبوبي لويس. كان لكل منهم بالطبع أسلوبه الخاص والمبتكر في التطبيق، إلا أن الذي كان يوحّدهم جميعاً هو تلك المبادىء الأساسية التي كان يتبعّها مسرح موسكو الفني الذي كان يديره ستانسلافسكي آنذاك. لقد كان هدفهم واحداً دائماً، وهو إيجاد طريقة لتحليل بناء السلوك الحقيقي للشخصية ضمن الظروف التخييلية. ولقد سعوا جميعاً إلى أن يجعلوا المتفرج يصّدق ويؤمن بما يراه، وهذا بالفعل هو كل ماكانوا يحاولونه.
إن المرحلة التي أمضاها بولاك مدرساً ومدرباً في معهد التمثيل وقبل أن ينتقل للعمل في التلفزيون ومن بعد إلى السينما، قد إمتدت من عام 1954 ـ 1960 تخللتها فترة عامين أكمل فيها خدمته الإلزامية في الجيش الأمريكي.
في الرابع عشر من شهر أبريل (نيسان) عام 2005 كان بولاك في ضيافة معهد الفيلم البريطاني في ساوث بانك (لندن) لمناقشة فيلمه "المترجم" مع الجمهور، وكان يدير ذلك اللقاء صديقه المخرج السينمائي البريطاني ومدير معهد الفيلم آنذاك أنتوني ميگيل، والذي توفي قبل رحيل پولاك بأشهر.
لقد كان سؤال ميگيل يتمحور حول "هل ينبغي على المخرج بالضرورة، أن يكون هو نفسه ممثلاً لكي يكون قادراً على توجيه الممثلين؟" وكانت إجابة پولاك هي بالشكل التالي:
"حسنٌ، معظم أفضل المخرجين الذين أعرفهم هم ليسوا ممثلين ومع ذلك لاأظن أن ذلك ضروري في أي حال.
كان التمثيل بالنسبة لي هو بمثابة الرصيد الوحيد الذي أمتلكه حين إبتدأت. ولم أكن أفكر بالأخراج يومها أبداً. أعني، لم أستطع حتى أن أتخيل ماذا يعني الإخراج؟ أو ماذا يشبه أن تكون مخرجاً!؟.
الشيء الوحيد الذي كنت أمتلكه حين بدأت الإخراج هو التقنية التي تعلمتها إلى حد ما من دراستي للدور. وهذا هو بمثابة الدرع الواقي بالنسبة لي. كنت دائماً أقول لنفسي وأنا أفكر في تمثيل الدور:
"عن أي شيء يتحدث هذا المشهد؟ عن ماذا تتحدث هذه المسرحية؟ من أنا؟ ماذا أريد؟ لماذا أريد هذا؟ ماهي علاقتي الخاصة والمحددة بالممثل الآخر؟
كل هذه الأسئلة والتي لها شأن بالتمثيل أصبحت بالنسبة لي قاعدة صلبة للإخراج، وهكذا وبطريقة ما صرت أخرج كل شيء من منطلق كوني ممثل. وأنا أحاول عمل ذلك بالقدر الذي أستطيع، حتى وإن كان ذلك مع المصّور نفسه إذا شئت.
عليك بالتأكيد أن تحدّث الممثلين عن الشخصيات، عن الملابس والديكورات وكل ذلك. كم بوسعي أن أحدثك عن الشخصية، عن المكان الذي تعيش أو الملابس التي ترتديها أو الأشياء المعلقة على الجدران أو ماذا يوجد في الأدراج وأشياءأخرى سواها.
هذه الأشياء جميعها تحّولت إلى تقنية إخراجية بالنسبة لي، لكن كل شيء إبتدأ مع التمثيل. وأنا على الدوام أفكر بذلك، وفي كل مرة أدخل في نقاش مع مدير الأستديو أو شخص ما... لنقل المنتج مثلاً، على الرغم من أنني من النادر جداً أن أعمل مع منتج آخر لإنني كنت أنتجت الكثير من أفلامي المبكرة بنفسي . المهم، متى ما تحدث هؤلاء، أتذكر دروس التمثيل القديمة مع إستاذي العظيم ميسنر الذي كان يقول للممثل:"عن أي شيء يتحدث هذا المشهد؟" ويجيبه الممثل" حسنٌ، إنه يتحدث عن حقيقة أنني بحاجة إلى مبلغ من المال لأسافر وأرى والدتي المتوفاة" وبعدها يقول ميسنر:"حسنٌ دعني أراك تمثل أنك بحاجة لهذا المبلغ لتسافر. هيا، أريني وأنت تمثل ذلك"،
ولم يكن الممثل يعرف ماسيفعل، لإنه غير قادر على تمثيله. لأن هذه الأشياء لاعلاقة لها بالتمثيل وليس لها علاقة بالمشهد. إنها مجرد حقائق.
عن ماذا يتحدث المشهد؟ هذا هو السؤال؟
لذا فقد كان ميسنر يواصل طرح اسئلته عليك لحين أن تصل إلى المرحلة التي تعي بها أنك غير قادر على التمثيل. وهذا هو الجانب الفكري من العملية والذي هو ليس له علاقة بالسلوك. ومن بعد ستدفعك تقنية ميسنر ولكن ببطء وصبر شديدين قول الشيء الذي يمكن أن يتحول حالاً إلى سلوك. وسيتواصل معك لحين أن تصل إلى المرحلة التي تقول فيها... "هذا هو المشهد، حيث ينبغي عليّ أن أفعل الشيء الذي أكرهه أكثر من أي شيء آخر في العالم. ينبغي عليّ المواجهة... إنه لشيء يربكني ويخجلني ويضايقني على نحو كبير أن أسأل هذا الرجل إعطائي مبلغاً من المال الذي أحتاجة لكذا... لأنني أكره ذلك ولا أتحمل ماينبغي عليّ فعله.." وبعدها يتحقق ماتريد.
هذه بالنسبة لي هي قاعدة التقنية الإخراجية التي أستخدمها. بمعنى أن كل ذلك جاء من التمثيل. أعني كل شيء كان مصدره تلك الدروس التي تعلمتها كممثل.".
يعتقد بولاك إن أهم الأعمال المشتركة التي حققها مع ممثلين محددين كانت مع الممثل روبرت ريدفورد. وقد سبق لهما أن لعبا معاً في فيلم مطلب الحرب "War Hunt" عام 1962.
"في ذلك الفيلم كان فرانسيس كوبولا يشتغل معنا مساعداً في الإنتاج ومهمته جلب الماء للجميع". يقول بولاك ذلك بقهقهة خفيفة.
لقد خطط بولاك وريدفورد يومها لعمل فيلم واحد آخر في الأقل معاً. "أعتقد أن كلانا مدين للأخر. إنه وقت خصب وجميل من فترات حياتنا. كنت أحب أن أعبّر عما تعلمناه وأين نحن الآن. سيكون ذلك شيئاً رائعاً، لكن الناس لايكتبون عن هذا النوع من الموضوعات للأسف الشديد.".
لقد عملا معاً وهما في الثلاثين والأربعين والخمسين من العمر وكبرا معاً. وقد لعب ريدفورد جل الأدوار الرئيسية في سبعة من أفلامه وهي على التوالي:
This property is condemned الملكية المدانة
The Way We Were الحياة التي عشناها
Jeremiah Johnson جيرميا جونسون
Three days of Condor أيام كوندور الثلاث أو ثلاثة أيام عصيبة
The Electric Horseman الفارس المكهرب
Out of Africa خارج أفريقيا
Havana هاڤانا
يعتقد بولاك أن كل أدوار ريد فورد في تلك الأفلام هي بمثابة تنويعات على نفس الشخصية، شخصية البطل الأمريكي الذي يعاني من صدع مستتر.
"من السهل العمل مع بوب" هكذا يحب پولاك أن يكنيّ ريد فورد، مضيفاً:"ليس عليّ أن أكون دبلوماسياً معه. أنا أعرف مايقدر ومالايقدر عليه. أعرف كل الألوان التي يمتلكها. لقد أثار إهتمامي ودهشتي بسبب تعقيده على وجه الحصر. كان يمتلك مظهر الفتى الذهبي، لكن ثمة شيئاً آخر معتم جداً كان يختبىء في أعماقه والذي كان يظهر خلال أداءه".
إن قائمة الأسماء التي صنع بولاك منها نجوماً هوليوودية طويلة، إلا إننا يمكن أن نذكر أبرزها وهم: برت لانكستر، روبرت ريدفورد، بربارة سترساند، ناتالي وود، جين فوندا، روبرت ميتشم، آل باتشينو، داستن هوفمان،سيريل ستريب، توم كروز، هاريسون فورد، نيكول كدمان.. وسواهم.
على خلاف الكثيرين من المخرجين السينمائيين من مجايليه، كان بولاك ممثلاً تلفزيونياً وسينمائياً وقد إستطاع أن يوظف هذه الخبرة المميزة ليصوغ من خلالها علاقة إستثنائية مع نخبة من ألمع نجوم هوليوود، وليصنع أفلاماً هي من أفضل الأفلام التي شاهدناها في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
كمّمثل، لعب پولاك أدواراً كثيرة لمخرجين آخرين، لعل أفضلها تلك التي لعبها في الفلمين "الأزواج والزوجات" للمخرج وودي ألن، وفيلم عيون مغلقة على إتساعها "Eyes wide shut" لستانلي كوبريك. وقد عّلق على ذلك حينها قائلاً:" ببساطة كان لديّ فضول أن أعرف عن قرب كيف يشتغل هذان المخرجان"!. وسنراه فيما بعد يلعب دور المحامي الشرير المعسول اللسان في فيلم الممرات المتغيرة "changing lanes" للمخرج روجر ميتشيل، الدور الذي برع حقاً في أدائه. وقد لعب دورين مميزين آخرين في فيلمين أحدهما لروبرت ألتمان وهو بعنوان اللاعب "The Player" ، والأخر الموت يحّل هنا "Death becomes Her" للمخرج روبرت زيميكيس.
أما الفيلم الأخير الذي شارك فيه پولاك ممثلاً ومنتجاً في ذات الوقت فهو فيلم "Michael Clayton" إلى جانب الممثل جورج كلوني وهو من إخراج توني جيلروي عام 2007، والذي حاز على سبعة جوائز أوسكار.
عن تجربته المميزة كممثل مع ستانلي كوبريك يقول پولاك:
"إن أحد الأسباب التي تجعلني أستمتع بالعمل بين حين وآخر كممثل هو ليس حبي الكبير للتمثيل، لأنني ببساطة غادرت هذه المهنة منذ وقت طويل. إنما هو لأنني أحب أن أستطلع خلسة رؤية ما يفعله المخرجين الآخرين. المخرجون عادة لايدعون الآخرين بالتواجد في موقع التصوير. بوسع الممثلين الفوز بفرصة كهذه، أعني رؤيتهم لعمل الممثلين الآخرين ورؤية عمل المخرجين في ذات الوقت. لذا فإن فرصة مشاهدة ستانلي كوبريك وهو يعمل، أو وودي ألن، كانت بالنسبة لي بمثابة شيء لايقاوَم. أو... هذا هو جزء من السبب الذي دعاني لئن أمّثل معهما.
كيف يمكنني أن أصف كوبريك؟ إنه شخص فذ حقاً، نوع نادر من الرجال. إن الشخص الكامل بشكل حقيقي الذي لم ألتقِ بنظير له طوال حياتي هو كوبريك، إنه ذلك الأنسان الخلاق حيث لاوجود لمحدودية الأشياء في قاموسه، ولامحدودية للشيء الذي تريد الوصول إليه لحين أن تقتنع. إنها السعي في المواصلة من دون كلل لحين الحصول على ماتريد.
فحين يُسأل كوبريك عن المدة التي سيستغرقها تصوير لقطة ما مثلاً ، تكون إجابته واحدة دائماً وهي:"إنه سيستغرق الوقت الذي يتطلبه"، يقول ذلك من دون أن يتزحزح قيد أنملة!.
لقد كان إنساناً عنيداً حقاً. أنا شخصياً وجدت ذلك شيء لايحتمل. فليس بإستطاعتي تحّمل إعادة تصوير لقطة واحدة 80 أو 90 مرة. في المشهد الذي كان يصور فيه توم كروز وكان عليّ الظهور معه في ذلك المشهد أعاد ستانلي اللقطة مئة مرة. كدت أجن. لقد أردت الهرب. لكنني مع ذلك كنت مفتوناً بطريقته.
حين لايعجبه الأداء يطلب منك الجلوس أمامه ليقوم هو بتمثيل الدور. ويظل هكذا في نزاع معك لأسابيع وأسابيع. إنه شيء أشبه بالكابوس. لقد بدأت أهلوس حينها، لكن ستانلي كان شخصاً عبقرياً.
لقد كنت أتصل به تلفونياً بإستمرار حين تواجهني مشكلة ما في تنفيذ لقطة ما أو مشهد ، وكان هو يسارع بكرمه الفائض والمعتاد بقوله:(هل جربت أن تفعل كذا؟) ولايكتفي بذلك، بل سيتصل بعد أيام ليعرف إن كنت قد حسمت حل المشكلة أم لا. لقد كان ستانلي رجلاً عظيماً حقاً".(**)
***
فيلموغرافيا
سدني پولاك (1934 ـ 2008 (
The Slender Thread (1965)
This property Condemned (1966)
The Sclaphunters (1968)
Castle Keep (1969)
They Shoot Horses, Don't They? (1969)
Jeremiah Johnson (1972)
The Way We Were (1973)
The Yakuza (1975)
Three Days of the Condor (1975)
Bobby Deerfield (1977)
The Electric Horseman (1979)
Absence of Malice (1981)
Tootsie (1982)
Out of Africa (1985)
Havana (1990)
The Firm (1993)
Sabrina (1995)
Random Hearts (1999)
Sketches of Frank Gehry (2005)
Documentary
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
(*) سانفورد ميسنر (1905 ـ 1997)
هو أحد أهم أساتذة التمثيل البارزين في القرن العشرين . لقد أسس هو وستيلا أدلر ولي ستراسبيرغ وهارولد كلارمن فرقة مسرح "گروپ" في عام 1931 لحين توقفها عام 1941 لأسباب مالية. إلتحق ميسنر في عام 1935 بمعهد التمثيل "بلايهاوس نايبرهوود" في نيويورك ليكون مسؤولاً عن قسم التمثيل فيه من العام 1936- 1958 ومن 1964 - 1990. وقد لعب طلبته الذين تخرجوا من ذلك المعهد دوراً كبيراً في نشر وتطبيق طريقته التي أصبحت تعرف بـ"تقنية ميسنر للممثل" في كل أنحاء الولايات المتحدة.
إن تقنيته في التمثيل بنيت على منهج ستانسلافسكي في بناء الدور والممثل، لكنها تميزت عنها بإعتمادها على التكرار، تكرار التمرين على الدور لغرض تعزيز إمكانية الممثل في أن يحيا بصدق تحت ظروف تخييلية. التكرار الذي يجعل الممثل متمكناً من البحث الأكثر عمقا وكثافة عن الحقيقة الفيزيائية والعاطفية التي ينبثق الحوار عبرها بشكل تلقائي.
يقول عنه أرثر ميللر:"لقد كان ميسنر أكثر الأساتذة مبدئية في فن التمثيل في هذا البلد لعشرات السنين. في كل مرة أشهد فيها پروڤات للممثلين أستطيع أن أعرف بيسر من الذي منهم كان قد تتلمذ على يد ميسنر. إن تقنيته صادقة وبسيطة ولاتعتمد على التعقيدات التي هي ليست ضرورية".
من بين تلامذة ميسنر، روبرت دوڤال، ديڤيد ماميت، جون ڤويت، ديانا كيتون، لي گرانت، گريگوري بيك، گريس كيلي، ماري ستينبورغ، جون ڤونتين، جنيڤر جونز، ستيف ماكوين و سدني پولاك. وسواهم.
(**) توفي ستانلي كوبريك في لندن في عام 1999، أي نفس العام الذي ظهر فيه هذا الفيلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجع ذات صلة:
ـ المجلة السينمائية الشهرية sight & sound التي يصدرها معهد الفيلم البريطاني.
أبريل نيسان 2005.
مقابلة أجراها معه المخرج السينمائي الراحل أنتوني ميغيلا رئيس معهد الفيلم البريطاني.
ـ ڤينيسيا مگازين. يونيو حزيران 2006. لقاء أجراه أليكس سيمون.
ـ صحيفة گارديان. 20 مارس 2002 مقال بعنوان(سر نجاحي) لقاء أجراه معه جيوفري مكناب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علي كامل
كاتب ومخرج سينمائي. لندن
alikamel50@yahoo.co.uk
يتبعه القسم الثاني: (پولاك مخرجاً)