سحابة صيف/قصة

2011-10-02

لم يصدق ما يسمع، كانت الكلمات تصله بعيدة وواهنة، كأنها آتية من بئر عميق، لم يصدق أن تكون هذه هي النهاية !!نزل عليه برد كثيف، ثم شعر بحرارة حارقة، كانت الفصول تختلط فوق جتثه، كأن جهنم صبّت عليه اللهيب الذي في جوفها، اوكأن الشمس اخترقت الفضاءات، ونزلت الى فوق رأسه تفرغ اللظى الذي في أحشائها.أحس بالدنيا تغيم في عينيه، فرغت رجلاه، و لم يعد يقوى على الوقوف، تحسس الشئ الذي وراءه، كان يعرف أن كرسي الاسمنت المستطيل هو الذي يستطيع أن يتحمل كل الفراغات التي تحيط به، لم يتحمل، كل ما وقع الآن أمام عينيه، اللتين غا بتا في سهوم طويل. لما استعاد وعيه، تيقن أن ما حدث قد حدث الآن، و تساءل: لكن لماذا؟ انتبه للسؤال الذي طرحه على نفسه، فأحس بخيط من الكهرباء يصعق دواخله، كل الذي كان، لم يكن إلا هباء وفقاقيع، كل الكلام الذي غرد في دواخله عاد دبابيس تخز أعماقه و تدميها.فتح عينيه،ورأى قامتها النحيلة،المياسة تغيب بين أشجار الحديقة،يشر بها الافق و تضمحل،إلى أن ذابت كفص من الملح داخل إطار ناظريه.النحيب يملأأرجاء كيانه،و لأن نخوة الرجولة لا تسمح بإظهار الجرح الى الخارج،فقد تمالك و تحامل على نفسه،و قال:كل الايام التي و ضعت لبناتها شبرا شبرا تنهار الآن!! و ليس لي قوة أمنع بها الدمار!شئ واحد عزى به نفسه،وهو يكابر ،حين أردف في نفسه،كل الجروح تبرأ ،مهما غارت ،ومهما طال الأمد.............
تحسّس المكان الفارغ بجواره، وقد كانت تملؤه في السابق بأنفاسها وعطرها ، كان لحديثها منفذ الى الروح، يشع فيها أضواء الأمل، ويشعل قناديل العمر الآتي. كان يعانق البساط الذي تنسجه، فيسافر في الأحلام، تحدثه بأنه هو شقيق العمر، ورفيق الدرب، وبأنه لم يكن إلا نصفا، وهي النصف الآخر الذي به يكتمل الواحد.كلام و عطر وظلال تمتد وتعمر الحديقة التي كانت المأوى والحضن الذي يرتميان فيه. حين تميل الأشجار، تثير انتباهه الى انها ترقص لفرحتها بوجودهما هنا، كانت تدعوه للرقص مع الأشجار، و مع انحناءة العشب حين يمر النسيم، تجريديه وتلومه على الخجل الذي لا يريد أن يفارقه، و تقول:"إن اللحظة لنا، وملك لنا و حدنا، أما هؤلاء الذين يمرون، فلا وجود لهم عندي، ولايمكن أن يحرمونا من متعة اللقاء، وسعادة روحينا.

"كان هو يدعوها للتريث، حتى يمر بعض الناس، وتبتعد عنهما عيون المتلصصين الذين يركّزون عليهما نظراتهم، وحين يقوم مائلا بالخجل، متعثرا في خطواته، كان لا يقوى على مجاراتها في كل الجرأة التي عندها. يتخلص من ذراعيها ليعود الى الكرسي المستطيل، مركزا اهتمامه على جسدها والخفة التي تدير بها نفسها، كان يشعر بنشوة عارمة في الداخل، فتباغته بقولها:"متى تكسر سلاسلك و تنهض؟" تبقى وحدها تدير نفسها بخفة. تدور وتدور في نشوة عارمة، تفرد يديها تستقبل النسيم من الجهات الأربع، تبدو له وكأن مسّا أصابها،لا يفهم كل هذا الجموح، وكل هذه الانطلاقة! يقول:هل هي على حق؟ هل هناك سلاسل تشدني من الخلف، واياد تدفعها هي الى الأمام؟ كم يلزمني من جهد لسد الهوة التي تفصل بيننا؟!! تحسس المكان ثانية بجانبه، فشعر بقشعريرة البرد تصعد من الاسمنت.انطفأ الشريط أمام عينيه فأحاطت الظلمة بالمكان، و تساءل ،كأنه لم يفهم:"ولكن لماذا؟"انتبه الى الحارس الذي يملأ المكان أمامه، بدا له شبحا أسود، بالكاد سمع منه أن وقت إغلاق الحديقة قد حان، و بالكاد لملم اجزاءه المنفصلة، ثم قام لتشربه الظلمة خارج الحديقة، مشى و هو يقول:"هل هذا ما يقولون عنه سحابة صيف؟!!!".

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved