الأيام مشمسة والربيع ضياء، وحين تلاعب الريحُ ـ وهي تغني ـ شال الأميرة السمراء، وتعزف عناقيد القرنفل الياقوتية الألحان، تهدأ الملامح لكن الإبتسامة الناعمة تتسع فتستعيد إبنة السلطان ذات اللون الأفريقي الذكريات التي تستحق الذكر، فما بين مياه الطفولة البريئة والجزيرة المعطرة برائحة القرنفل والمحاطة بأشجار النارجيل السامقة، حرصت الاميرة الجميلة أن تكحل عينيها برؤية الصباح البهيج في حديقة قصر والدها الكبيرة، حيث إعتادت على مراقبة عناقيد القرنفل في مراحل نضوجها، تداعب خدها طراوة الاغصان وتسكرها رائحة الأوراق الرطبة، فتعلّق في سرها مبتسمة: حين تصبح الأزهار أكثر سواداً من جلدي ويرن طبل والدي، سنرتدي الصداري الحريرية المخاطة بأسلاك الفضة والمطرزة برقائق الذهب والتي أزرارها من اللؤلؤ، ففي النهار نشارك الجميع القطاف وفي المساء يشاركنا القمر رقصاتنا. ومثلما نقل البستاني (عكبوبة) االفسائل إلى بغداد وغرسها حول داره على نهر (كرخايا)، كذلك نقل والدها السلطان (سعيد) وبمساعدة أحد أعوانه شجرة القرنفل* من جزر موريتيوس وغرسها حول قصره على نهر(الموتني) فأستوطنت زنجبار، بعد أن أجبر فلاحي الجزيرة على زراعتها وبشروط محددة، أن تزرع شجرة نارجيل مقابلها ثلاث شجرات قرنفل إستصعبوا الأمر في البدء بعدها أتاهم الخير عميماً.
ثمة حكايات تجمعت بهدوء لا تشبه غيرها في أماكن أخرى، حكايات تمجد جزيرتها المعطاء وأرواح الراحلين بلا وداع.
حين أتطلع إلى ملامحها والتي تفيض حيوية وبشر وحين أتأملها تغمرني السكينة والنعمة، فاطيل الوقوف في محرابها ولي أسبابي في ذلك.
اللوحة للفنان شاكر بدر عطية
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*ـ من خلال المقارنة بين شجرة القرنفل والنخلة نجد إنّ هناك تشابهاً كبيراً بينهما ( التربة، الظروف المناخية، العمر،متوسط الإرتفاع....ألخ)إلا أنّ شجرة القرنفل ما زالت تجد الرعاية الكاملة في جزيرة بمبا، أما النخلة تُقتل في البصرة وملاك بساتين النخيل حديثوالنعمة حولوها إلى عرصات وباعوها طمعاً بالثروة السريعة ولتذهب عمتنا النخلة إلى الجحيم!.