خمس سنوات قضيتها معلماً في قرية ( كوت الزين )، كنت أعبر أحياناً إلى جزيرة ( أم الرصاص )، أتجاذب الحديث مع العم ( درويش ) الذي يطرز رفوف دكانه الصغير بمجموعة من إستكانات الشاي الإيرانية الصنع ويبيع ( الآجيل والبسكت والألوبالو وشربت البيذيان...الخ ) وفي هدأة أماسي الخميس أحياناً أقف قبالة نهر( الكارون ) وهو يرمي بمياهه وأسماكه وأشباحه التي تزمجر لتأكل من ضفاف الجزيرة في مواجهة المجهول!!.
أعود بعدها إلى كوت الزين مسقط رأس ( الشيخ خزعل ) المولود عام 1861وهو ( الخامس في سلسلة أبناء الشيخ جابر بن مرداو الكعبي والذي حصل على القرية مقابل إهداءه باخرة لوالي بغداد آنذاك ) .
( الشيخ خزعل ) في السادسة والثلاثين من عمره آل إليه حكم المحمرة والأحواز في عربستان وباتت حوافر خيله تطرق أبواب العالم ( بعث برسالة إلى نوري السعيد طالباً مساعدته لتولي عرش العراق ) وقد تبوأ ( مكانة دولية مرموقة وحصل على أوسمة عدة من ملك بريطانيا.. سلطان تركيا.. شاه فارس والبابا في روما وكان يحملها على صدره إذا لبس ثوبه الرسمي ) .
أما في أبي الخصيب خلال فترة حكمه فهناك مَنْ يصفه بالشجاعة والجرأة ومَنْ يحكم عليه بالرعونة والتهور زد على ذلك إتهامه من كونه قاطع طريق وصاحب مليشيا.
إلتقيت أحدهم وهو من سكنة كوت الزين قال وبفمه المليان : أحقد عليه حتى الموت، لقد قتل أخاه وأحتل مكانه وكان يبعث بغلمانه ( الفداوية ) إلى أغنياء أبي الخصيب من تجار وملاكي الأرض لإستحصال مبالغ مقابل حماية تجارتهم وممتلكاتهم ( خاوة ) ومن يمتنع يدبر له حادثاً فيذهب غير مأسوف عليه مما دفع إحدى العوائل المعروفة في أبي الخصيب بتزويجه أحدى بناتها الشابات .
( محمود التماري ) مختار قرية باب سليمان ومن أعيان أبي الخصيب الحقيقين، كان مرحباً به في ( الشمشومية ) وأنيس رحلة الشيخ خزعل على ظهر( دردبيسه ) وهو يمخر عباب شط العرب إلى أهوار الجنوب .
( صديقة الملاية )على رأس مطربات عصرها، نالت الحضوة في قصر الشيخ في المحمرة فقد كان يطربه صوتها فيجزل لها العطاء .
أما قصته مع ( سيد جابر) ومن بعده حفيده ( سيد جاسم ) فما زال يعاد ذكرها ويتردد صداها في الضفة الشرقية لشط العرب .
لقد غرقت البوصلة في مياه الخليج منذ أن سيرت شركة الهند الشرقية ( لنج ) سفنها في مياه الكارون وحين تصل قبالة قصر الشيخ خزعل ( تطلق له المدافع لتحيته )
لقد ذهب الرجل وذهبت إمارته بتدبير من شاه فارس وحكومة صاحبة الجلالة وعملائهما في المنطقة وستظل القباطنة وحيتان الخليج في صراع دائم منظور وغير منظور تغذيه المصالح الأجنبية .