سيقتلني اشفاقي..

2017-03-09
سيقتلني أشفاقي على الطيورِ المذبوحةِ في حافةِ الأفق
ونافوراتِ الدماءِ الصاعدةِ من أعناقها الى السماء ...
 
سيقتلني اشفاقي على الخرافِ المنحورةِ في المراعي ،
على الحشائشِ المبتلةِ بالنجيع ،
على القصابين ،
على السكاكين ،
وعلى الأضاحي ...

على المراكبِ الراكسةِ في قاعِ البحر
 والأسماكِ التي تقتاتُ على بضاعتِها ،
 على ألواحِها المهترئةِ
 وعنابرِها المهزومةِ
 سيقتلني اشفاقي

سيقتلني اشفاقي
على الطائراتِ المحترقةِ في الأعالي
والأجسادِ المتحفمةِ فيها ،
 النازلةِ الى الأرض
 والأجسادِ المتفحمةِ من جراء صواريخها
 والصاعدةِ الى السماء
 سيقتلني اشفاقي على مقلتي التائهةِ بين أجسادٍ متفحمةٍ  تنزلُ
وأجسادٍ متفحمةٍ تصعد
   
سيقتلني اشفاقي على الحقولِ : 
الحقولِ التي انحسرت عنها المياه
وتلك التي أغرقها الطوفان ...
 
سيقتلني اشفاقي على المدن
على جروحها الملوثة بالسموم
ورئاتها المختنقة بالدخان
على قرىً بريئةٍ غررتْ بها مدنٌ سافلةٌ
سيقتلني اشفاقي
ومختنقٌ أنا بعبرتي كأي فتىً ريفيٍ غر..

مشفقٌ أنا ،
وسيقتلني اشفاقي على أولئكَ الذين لم يقبلوني في المقهى ،
على أولئكَ الذين أدخلوني وبدأوا يضحكون عليّ ،
وعلى هؤلاء الذين أبدوا نحوي أرقَّ مشاعرِ الود
  
مشفقٌ أنا على المتحاربين  ،
على الجيوشٍ المنتصرةِ
والقادةِ المحتفلين في الحانةِ
والنادلاتِ اللواتي يحملن اليهم كؤوسَ الخمرِ والخنازيرَ المشويةَ على السفوّد
وسيقتلني اشفاقي

سيقتلني اشفاقي على الجيوشِ المنهزمةِ ،
على القادةِ الذين قتلوا
وأولئك الذين انتحروا
وهؤلاء الذين وقَّعوا ميثاقَ الخاسرين .

على أجسادِ الجنودِ التي دُفنتْ
 والأجسادِ التي لم تُدفن بعد
 وتلك التي أكلتْها الكلابُ الضالةُ
 سيقتلني اشفاقي

سيقتلني اشفاقي
على المقابرِ الجماعيةِ
وعلى الأمهاتِ الذاهباتِ اليها رقصاً

سيقتلني اشفاقي على هيروشيما ، دريسدن ، بغداد ، بيروت والخليل
وعلى سراييفو وكابول
مثلما سيقتلني اشفاقي على نيويورك ، لندن ، باريس ، أورشليم ، روما وموسكو

سيقتلني اشفاقي على الأرض
على طبقاتِها المندثرةِ وحليِّ النساءِ المدفونةِ فيها
وعلى طبقاتِها التي ستندثر
وعلى الجيولوجيين وعلماءِ الآثارِ ونظائرِهم المشعَّة
وهمْ يبحثون منهمكين عن كنوزٍ اخرى بين الرفات

سيقتلني اشفاقي

سيقتلني اشفاقي على القمر النبيل
على جبينه الجريح منذ ان نزلتْ فوقه أقدامُ (الأنسان ) ،
على ترابِهِ المسروقِ
ليحللَهُ تجّارٌ جشعون.

سيقتلني اشفاقي على السماء وطبقةِ أوزونها المثقوبةِ
ورئتِها المكتظة بالغازات السامةِ

وبذاكرةٍ مثقوبةٍ أستطيعُ ان أفهرسُ تاريخَ هذهِ الآلامِ
جرعةً أثر جرعة
وبرئةٍ مخنوقةٍ أستطيعُ ان أتنفسَ هذا العالَمَ
شمةً أثر شمَّة
رغم يقيني انَّ اشفاقي عليكَ،
 عليهم،
 عليَّ
 سيقتلني يوماً ما..


ملاحظة :هذه القصيدة النثرية منشورة في مجموعتي الشعرية ( غيوم الدماء السومرية ) الصادرة عن وزارة الثقافة السورية في العام  1998  أما تاريخ كتابة القصيدة فهو في 29.03.1994  في برلين وقد نُشرت في ذاك الزمان في جريدة القدس العربي اللندنية.

كريم الاسدي

كاتب وشاعر عراقي يعيش في برلين

karim.asadi777@yahoo.com

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved