خواطر افتراضية

2020-12-23

زميلي المتعجرف في العمل، هو ذاته صديقي الفيسبوكي، يطبطب على جراح الجميع الافتراضية، فتندمل .

جاري في البناية المقابلة، أراه عند الفجر يجلب المازوت المسروق من محطة الوقود التي يعمل بها، ومساء اليوم ذاته، يلعن الفساد والفاسدين، ويهدَّد بكشفهم .

جارتي التي لا تطيق النظر إلى وجهها بالمرآة، عرضت على حسابها صورة ممثلة شقراء بدّلت عملياتُ التجميل ملامحها كما غيَّر سايكس وبيكو خرائط العرب، فأعجبت الجمع العظيم .

ذهلْتُ عندما رأيْتُ كارل ماركس يصادق محمد عبده، وأم كلثوم مع اسمهان في مجموعة واحدة على الفيسبوك، هنا كلُّ شيءٍ صار ممكناً .

شبه عارية، مع شبه منقبة، في صداقة متينة الظاهر .

ما فرقته أهواء وطبائع البشر، استطاع مارك جمع تناقضاته .

كتبتُ أفضل ما جادت به قريحتي، ولكنِّي وجدته هزيلاً أمام ما نشره بطل فيسبوكي همام، هو بالأصل زميل دراسة، ما أذكره عنه، أنَّه كان يرسب دوماً في امتحانات اللغة العربيَّة، وآخر منشور له كان يقول فيه أن "لا شيء يعجبني..." .

أعجبتني منشورات شاعرٍ على الفيسبوك، سألت عنه أحد أصدقائي الحقيقيين، فأكَّد لي أنَّ هذا الرَّجل شبه أمِّي، ولكنَّه ثعلبٌ من ثعالب القص واللصق، لا ينسب شيئاً لصاحبه، لتنهال عليه الإعجابات و التعليقات .

دخلت هذا العالم العجيب، وجدت فيه كلَّ من عرفتهم على أرض الحقيقة، وآخرين تعرَّفت عليهم، نظرْتُ يميناً ويساراً، لم أستطع إيجاد نفسي، نظرت إلى صورتي الوحيدة، كانت جامدةً كالموت، قارنتها مع صور الآخرين، يلعبون مع أولادهم، أو يحتضنون نساءهم، أو يستعرضون نجاحاتهم المبهرة .

زدت حزناً على حزنٍ، لمسْتُ ما كتبْتُ، كان بارداً، فحذفت أول منشورٍ شاركته قبل ثلاثة أعوام، ثمَّ ثانياً قبل عامين .

كتبْتُ بالأمس منشوري الأول والأخير، ودعْتُ أصدقائي الإفتراضيين، ما يمكن تسميته برسالة وداعٍ قبل انتحاري، لم أنسَ أن أشكر العم مارك، أطلقْتُ الرصاصة على رأسي الفيسبوكي .

اطفأتُ هاتفي الغبي، المسمَّى بالذكي، خرجت من منزلي، جلست تحت شجرةٍ، راقبت بلبلا ينقر حبة توتٍ، ويغرِّد، يرد أصدقاءه التحيَّة، من على الأغصان الأخرى، وليس على تويتر بالطبع .

فتحت كتابي الورقي، اشتريته عبر أمازون، قرأت صفحته الأولى، احتسيت كأس شاي حقيقيٍّ أحمر .

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved