كيف تخلصت من مديري؟

2020-11-28

 سمعت الصوت الثلاثي لسيارة الشرطة، رأيت أضواءها المبهرة، تقترب من نافذة غرفتي .

نزل شرطيان من السيارة، قرع أحدهما الباب بقوة، تصاعدت ضربات قلبي، وأحسست بها تهزُّ عنقي .

كنت قد وضعت خطة محكمة، للتخلص من مديري النتن، لم أعد أطيق إزعاجه المتكرر لي .

أعمل لديه منذ سبع سنوات، لم يقبل أبدا زيادة راتبي الضئيل، وعدني مرات ومرات، لم يصدق معي يوما .

تجاوزت الأربعين عاما، أنهيت دراستي في كلية الهندسة النسيجية، أكملت بعدها تخصصي في صناعة السجاد في إيران .

عملت لسنوات في معمل للموكيت في دمشق، ثمَّ انتقلت للعمل في مصنع "البيت الدافئ" بحسياء . 

بدأت العمل ثماني ساعات، أمَّا الآن فأعمل لإحدى عشرة ساعة يوميا، ولا أعطل إلّا يوما واحدا، ويريد المدير أن نشتغل يوم الجمعة أيضا :

- اقترب الشتاء، وعلينا تصنيع الطلبيات الكثيرة !

أصبح لمعملنا سمعة ممتازة، والبيع لا يتوقف، ولكن مديرنا لا يشبع، فقد تنكرَّ لوعده القديم بتحسين مرتبي الزهيد .

قررت ترك "البيت الدافئ" أكثر من مرة، وتراجعت دائما في لحظة الحقيقة .

أين أعمل، وصناعيو حسياء لا يجرؤون على استقبال الهاربين من الأستاذ ماهر، فهم يخشون غضبه، ولسانه السليط ؟

وضعت الجرح على الملح، واستسلمت لقدري، ولكن  قبل شهرين، شعرت بالحظ يبتسم لي أخيرا .

وعدني المدير أن يرسلني إلى طهران في بعثة تدريبية، وحضور معرض عالمي للسجاد، والإستفادة من تعويض سفر جيد .

طلبني إلى مكتبه، ربت على كتفي قرب الباب، دعاني بلطف أبوي مستجد للجلوس :

- يا بني يا صابر، أنت تستحق كل خير، جَهِّز نفسك لتطير إلى طهران قريبا جدا .

خرجت من مكتبه الفخم المكيَّف، لم ألحظ البرد القارس، لم انتظر موعد السفر لأطير .

سبقت روحي أقدامي، من الفرح الذي اجتاحني، نبت لي جناحان من غار فجأة !

وصلت إلى البيت، تذكرت دراجتي النارية، نسيتها غالبا في زاوية المعمل !

لم استطع النوم تلك الليلة، نسيت تجاهل المدير لمعاناتي، واحتقاره جهودي لسنوات، قدَّرت أنَّ ضميره قد صحا، وسامحته على الماضي .

في الصباح التالي، استيقظت بلا أجنحة، امتطيت حذائي، وقصدت المعمل، لم تمر أي حافلة بقربي، أكملت العشرين كيلومتراً المتبقية مشيا .

لم أجد الدراجة في مكانها، سألت عنها العمَّال، أنكر الجميع رؤيتها، بكيت على ضياع ثروتي .

لكن الصدمة الكبرى صعقتني بالأمس، تراجع المدير عن عهوده، أطلق ضحكته الخبيثة، وقال لي :

- خيرها بغيرها، القادمات أفضل من الذاهبات .

تملكني الغيظ، وتبخر آخر حلم لي، بأي تقدم في معمل الأستاذ ماهر .

اكتمل قهري، علمت أنَّ ولده الطالب في جامعة خاصة، حلَّ مكاني في بعثة طهران، رغم انعدام علاقته  بالسجاد .

في الليلة الماضية، شغلني التفكير، غلبني السهر، وقبل السابعة صباحا، وصلت لخطة محكمة للخلاص منه نهائيا .

وصلت مبكرا إلى المعمل، دفعت باب الإدارة برجلي، لم أطلب إذن السكرتيرة بالدخول، دخلت مكتبه، كان يُقلِّب أوراقه، ودون سلام، أو إنذار مسبق، قلت له بصوت عالٍّ :

- لقد تحمَّلت ظلمك وقتا طويلا، وهذا اليوم قررت التخلص منك إلى الأبد، ومددت يدي بسرعة إلى الجيب الداخلي، لمعطفي الشتوي .

نفر من الفزع، صلَّح جلسته، طلب الصفح، وعدني بزيادة راتبي فورا، وأن يرسلني ببعثة خارجية قريبا جدا، قال لي بلهجة استعطاف :

- لا تهتم بي، فكِّر بمصيرك، وبحال أمك، إن نفذت تهديدك .

لم ينفعه التوسل، فقد قُضي الأمر .

قبل أن أخرج يدي، صرخت بوجهه :

- اذهب إلى جهنم .

كاد يموت من الرعب، أمسكت بطلب استقالتي، رميت الورقة على مكتبه .

أدرت ظهري بفخر، صفقت الباب خلفي، وعدت بهدوء إلى البيت .

مضى أسبوعان على تركي العمل، كنت قد حررت محضرا في المخفر، شكوت ضياع دراجتي، فتحت الباب للشرطي، بشرني فوراً :

- أوقع حاجز لنا بسارق دراجتك النارية، راجعنا مع وثائقك متى تشاء لاسترجاعها .

لم انتظر طويلاً، ذهبت إلى مستودع محفوظات الشرطة، صعدت على "الموتور"، قدته لأول مرة منتصب الظهر، لم أعد إلى البيت، قمت بجولة لولبية في الشوارع المزدحمة .

ما زلت عاطلا عن العمل، ولكني تخلصت من مديري التافه، أبحث عن عمل حر بلا مدير يتسلط علي .

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved