دخَلَتْ سَيَّارةُ مرسيدس سوداء فارهة إلى قسم الإسعاف في مشفى اللاذقيَّة الجامعي، يقودها شابٌّ بملامح أوروبيَّة، بجانبه شابٌّ أسمر، امرأةٌ خمسينيَّةٌ بالمقعد الخلفي يعلو وجهَها شحوبٌ شديدٌ .
طلب أمجد فور وصوله مقابلةَ المدير، عرَّفه بنفسه :
- أمجد سالم، مدير وكالة بيروت للساعات السويسريَّة .
- تشرَّفْنا يا أستاذ، الوالدة في عيوننا، وستقيم في غرفةٍ خاصةٍ في قسم الأمراض الباطنة .
تَوَفَّرَ الدَّمُ مَجَّاناً لأم أمجد، الأدوية والمصول، والغذاء المناسب، كلُّ ذلك حدث بسرعةٍ فائقةٍ، لَفَتَ الشاب بدماثته أنظار الأطباء، أساتذةً ومقيمين، غناه البادي وأناقته المفرطة، رائحة عطره الفرنسيِّ الفاخر، ساعته الرولكس، وهاتفه النقَّال الأحدث، كان محطَّ اهتمام، ومركز حديث ممرضات القسم، وفوق ذلك كلِّه، كرمه الكبير مع الجميع، فقد حرِص على إحضار طعامٍ وشراب يكفي الفريق المناوبَ كل يومٍ .
مضت أيامٌ خمسةٌ على وجود والدته في المشفى، حرص على زيارة المدير العام يوميَّاً، ووعده بساعة رولكس، بدأ الطبيب المشرف يُحضِّرُ يده اليسرى لساعة رادو، أمَّا رئيس الأطباء المقيمين فأعجب بالدقة والجمال لساعة باتيك فيليب، التي عشمَّه بها الأستاذ أمجد فورعودته من بيروت .
-لا أريد إلَّا سلامتك، وسلامة الوالدة .
أجابَتْهُ رئيسة التمريض العام حين هيأها لاستلامٍ قريبٍ لساعة شوبارد مُذَهَّبَة .
-عرْبُونُ شكر، لا يعادل عملكم الإنسانيّ النبيل .
خرجا من المشفى مُودَّعَين بحرارةٍ من الجميع .
صعد أمجد ووالدته إلى المرسيدس، وصلا إلى بيت زميله في كليَّة الاقتصاد محمود، أعاد له السيَّارة المستعارة، وساعة الرولكس، وشكره على المساعدة .
- اعتبر البدلات، وثياب الوالدة هدايا، لا داعي لإرجاعهم .
انْتَظَرَا قليلاً في موقف الباصات، وصلا بعد نصف ساعةٍ إلى البيت، كان الليل قد بدأ بالهبوط .
استعادت أمُّ أمجد حيويَّتَها، التفَتَتْ إلى ابنها الوحيد :
- اذهب للنوم يا حبيبي، يجب أن تعود للعمل غداً، فمُعِلِّمُك أبا راغب ينتظر عودتك لإصلاح الساعات المعطلة المتراكمة .
خلع بدلة محمود، وغَطَّ في سُّبَاتٍ عميقٍ، أمَّا أطباءُ المشفى الجامعي فلم يجدْ النوم سبيلاً لأعينهم وهم يحلمون بساعاتهم السويسريَّة .
د.فراس ميهوب
عربي مقيم في فرنسا
04/01/2018